خبر الواحد فيما يخالف القياس
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
خبر الواحد فيما يخالف القياس:
إذا خالف خبر الواحد القياس قُدم خبر الواحد عند كثير من أهل العلم
خبر الواحد فيما يخالف القياس:
إذا خالف خبر الواحد القياس قُدم خبر الواحد عند كثير من أهل العلم لما رؤي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: بما تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد، قال: أجتهد رأيي. فقد قدَّم معاذ الكتب والسنة على الاجتهاد، وقد صوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحُكي عن مالك أن القياس مقدم على خبر الواحد؛ لأن القياس معتضد بأصله فيترجح على خبر الواحد المعارض؛ لأنه تلحقه شبهة الكذب لهذه المعارضة.
وقال الحنفية: إن كان الراوي فقيهاً كالخلفاء الراشدين والعبادلة وعائشة -رضي الله عنهم- قدم على القياس.
وإن كان الراوي غير فقيه وخالف الخبر جميع الأقيسة فإنه يقدم القياس على الخبر؛ لأن الراوي إذا لم يكن فقيهاً لم يؤمن من أن يذهب شيء من معانيه فتدخله شبهة زائدة يخلو عنها القياس.
ومثال الخبر المعارض لجميع الأقيسة حديث المصراة؛ وهو ما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصار من تمر).
فرد التمر بدل اللبن مخالف لجميع الأقيسة الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، إذ إن تقدير ضمان العدوان بالمثل ثابت بالكتاب في قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وتقديره بالقيمة ثابت بالسنة في قوله صلى الله عليه وسلم: (من اعتق شقصاً له في عبد قُوم عليه نصيب شريكه إن كان موسرا). وقد انعقد الاجماع على وجوب المثل أو القيمة عند فوات العين. وليس التمر مثل اللبن ولا قيمته.
كما أن هذا الخبر ليس مردوداً لمخالفة نص الكتاب أو السنة إذ أن نصوصهما في العدوان الصريح. والصورة الواردة في الخبر ليس من ضمان العدوان الصريح؛ لأنه ظهر بعد فسخ العقد أنه تصرف في ملك غيره بغير رضاه؛ لأن البائع ما رضي يحلبها إلا على تقدير أنها ملك للمشتري.
والمختار: هو القول الأول؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إنما كانوا يعدلون إلى القياس عند عدم النص فمتى وجد النص تركوا القياس.
كما روي أن عمر رضي الله عنه كان يفاضل بين ديات الأصابع ويقسمها على قدر منافعها فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في كل أصبع عشر من الإبل) رجع عمر الى الخبر وكان بمحضر من الصحابة فكان إجماعا.
وأيضاً فإن الخبر كلام المعصوم، والقياس استنباط الراوي، وكلام المعصوم أقوى وأقوم، والله أعلم([1]).
[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول: ص50-51.