الإجماع
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
الإجماع:
تعريفه: هو لغة يطلق على العزم
الإجماع:
تعريفه: هو لغة يطلق على العزم، ومنه قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71]، أي: اعزموا، ويطلق على الاتفاق، ومنه قولهم: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه.
وفي اصطلاح الأصوليين: هو اتفاق مجتهدي أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في أي عصر كان بعد وفاته -صلى اله عليه وسلم- على حكم شرعي، كالإجماع على أن الماء ينجس إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه.
الإجماع ممكن عقلاً وواقع شرعاً:
ذهب النظَّام والخوارج وبعض الرافضة إلى أن انعقاد الإجماع مستحيل، بدعوى أنه يستحيل معرفة آراء جميع المجتهدين في المسألة الواحدة مع كثرتهم وانتشارهم في الأقطار الشاسعة.
وذهب عامة أهل العلم إلى أنه ممكن عقلاً وواقع شرعاً، إذ إنه لا يمتنع في العقل أن يتفق مجتهدو الأمة على حكم شرعي، وقد وقع الإجماع شرعاً، فقد أجمت الأمة على وجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، وكل ما وقع شرعاً فهو جائز عقلاً.
طريقة معرفة الإجماع:
- بالمشافهة إن كان المجمعون عدداً يمكن لقاؤهم كإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة.
- بالنقل المتواتر إن كانوا عدداً لا يمكن لقاؤهم كإجماع العماء على نجاسة الماء إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه.
هذا ولا ينازع الإمام أحمد رضي الله عنه في إمكان انعقاد الإجماع، وقد اضطربت الرواية عنه في طريق معرفته فروي عنه أنه قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب، وفي لفظ: من ادعى انعقاد الإجماع فهو كاذب، كما روى عنه نقيض ذلك من الاعتداد بالإجماع، وهذا هو الأقرب.
حجية الإجماع:
لا نزاع بين من يعتد برأيه من أهل العلم على أن إجماع الصحابة حجة.
أما إجماع غير الصحابة فقد ذهب الجمهور إلى أنه حجة مستدلين بأدلة منها:
- قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء: 115]، ومن خالف إجماع المسلمين فقد اتبع غير سبيلهم.
واعترض بأن الوعيد المذكور مرتب على حصول أمرين: هما مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، فلا يحصل الوحيد على واحد منهما فقط.
وأجيب بأن مشاقة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد بلا نزاع، فدل على أنه لا يشترط حصول الامرين.
- قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار).
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من فارق بالجماعة و مات فميتته جاهلية).
وكقوله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
وكقوله صلى الله عليه وسلم: فيما رواه الترمذي، وأبو داود وسكت عنه: (لا تجتمع أمتي على ضلالة). واعترض بأن جميع هذه الأدلة ليست قطعية الدلالة على المطلوب، وأن هذه الأحاديث أخبار آحاد مع أن الإجماع المستدل بها عليه قطعي.
وأجيب بأن مجموع هذه الأخبار يفيد العلم الضروري بالمطلوب، وإن لم تتواتر آحادها كقطعنا بشجاعة علي، وسخاء حاتم، وعلم عائشة رضي الله عنها، وإن تكن آحاد الأخبار فيها متواترة.
على أن هذه الأدلة لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين يتمسكون بها في حجية الإجماع([1]).
[1]- روضة الأصول ص51-53.