هل يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين إجماعاً؟
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
هل يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين إجماعاً؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين من أهل العصر إجماعاً؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع.
هل يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين إجماعاً؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يعتبر اتفاق أكثر المجتهدين من أهل العصر إجماعاً؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع في اصطلاح الأصوليين، ولأن العصمة عن الخطأ إنما ثبتت لمجموع أهل الحل والعقد؛ ولأنه إذا خالف بعض المجتهدين فالحق مع من يشهد له الكتاب والسنة ولو كان واحداً، لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، ولقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
وذهب ابن جرير الطبري وبعض أهل العلم إلى أن اتفاق الأكثر يعتبر إجماعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه: (عليكم بالسواد الأعظم)؛ ولأن مخالفة الواحد شذوذ يفسق به للنهي عنه فيسقط قوله لفسقه، وينعقد الإجماع بدونه.
والصحيح الأول؛ لأن الصحابة لم ينكروا على ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم انفراد كل واحد منهما بمسائل في الفرائض خالف فيها عامة الصحابة، ولو كان قوله مخالفاً للإجماع لأنكروا عليه، ولو ثبت أنهم أنكروا عليه فلا حجة فيه؛ لأنهم إنما أنكروا المخالفة للدليل الظاهر لا لكونه إجماعاً على أن المنفرد منكر عليهم أيضاً مخالفتهم له وإنكارهم عليه فلا ينعقد الإجماع.
والشذوذ المنهي عنه يتحقق بالمخالفة، وقد يراد به الخروج على الإمام وجه يثير الفتنة كفعل الخوارج.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالسواد الأعظم) فلو صح فإنه يحتمل أن يكون من باب الإرشاد لقوم في مخصومين من أهل الحق أو للنهي عن مخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة. وإلا فإنه: {لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة: 100]، و {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 13].
هل يعتبر اتفاق أهل المدينة إجماعاً؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن اتفاق أهل المدينة على الحكم لا يعتبر إجماعاً؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع عند الأصوليين، ولأن العصمة إنما تثبت لمجموع أهل الحل والعقد من الأمة، وليس أهل المدينة مجموع أهل الحل والعقد.
وقد خرج من المدينة من هو أعظم من بالباقين بها كعلي وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وأبي عبيدة وأبي موسى الأشعري، وغيرهم رضي الله عنهم وتفرقوا بعلومهم في الأمصار.
وذهب مالك إلى أن اتفاق أهل المدينة يعتبر إجماعاً؛ لأنها معدن العلم ومنزل الوحي، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها فيستحيل اتفاقهم على غير الحق.
والأول هو الصحيح؛ لأنه يلزم على الثاني عدم الاعتداد بمثل علي وابن مسعود وابن عباس ونحوهم ممن خرج من المدينة في الإجماع وهذا ظاهر الفساد، كما أنه لا يستحيل أن يسمع رجل حديثاً من النبي صلى الله عليه وسلم في سفر أو حض ثم سافر من المدينة قبل أن يحدث بهذا الحديث ثم يبثه في أحد الأمصار.
على أن فضل المدينة لا يوجب انعقاد الإجماع بأهلها، فإن مكة أفضل منها ولا أثر لها في الإجماع.
هل يعتبر اتفاق الخلفاء الأربعة إجماعاً؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن اتفاق الخلفاء الأربعة على حكم الحادثة لا يعتبر إجماعاً؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع عند الأصوليين؛ ولأن العصمة ثبتت لمجموع أهل الحل والعقد، وليس الخلفاء كل أهل الحل والعقد. وقد خالف ابن عباس رضي الله عنهما الخلفاء الأربعة في بعض المسائل ولم يحتج عليه أحد بإجماع الخلفاء الأربعة على بطلان مذهبه.
وذهب ابن البنا من الحنابلة وبعض أهل العلم إلى أن اتفاق الخلفاء الأربعة يعتبر إجماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضُّوا عليها بالنواجذ) ([1]).
[1]- روضة الأصول ص57-58.