هل يشترط في صحة الإجماع انقراض العصر؟
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
هل يشترط في صحة الإجماع انقراض العصر؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يشترط لصحة الإجماع ووجوب العمل بمقتضاه انقراض العصر، أي: موت جميع المجتهدين الذين أجمعوا على حكم الحادثة.
هل يشترط في صحة الإجماع انقراض العصر؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يشترط لصحة الإجماع ووجوب العمل بمقتضاه انقراض العصر، أي: موت جميع المجتهدين الذين أجمعوا على حكم الحادثة، بل متى اتفقت كلمتهم انعقد الإجماع ولزم العمل به؛ لأن حقيقة الإجماع لا يفهم منها اشتراط انقراض العصر، ولأن أدلة الإجماع لا توجب ذلك؛ ولأن التابعين كانوا يحتجون بإجماع الصحابة كأنس رضي الله عنه.
فلو كان انقراض العصر شرطاً لصحة الإجماع ما جاز لهم ذلك ما دام أحد الصحابة حياً، ولأن شرط انقراض العصر يؤدي إلى تعذر الإجماع إذ كلما ولد إنسان وتعلم وبلغ رتبة الاجتهاد وقد بقي واحد من المجتهدين المجمعين قبله فإنه لا بد من اعتبار هذا اللاحق في هذا الإجماع، والولادة لا تنتهي فلا ينتهي تلاحق المجتهدين فلا يتم إجماع.
وذهب بعض الشافعية وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أنه يشترط انقراض العصر لجواز أن يطرأ على بعض المجتهدين ما يخالف اجتهاده فيرجع عنه، ولما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (اجتمع رأيي ورأي عمر على منع بيع أمهات الأولاد وأنا الآن أرى بيعهن) فلولا استراط انقراض العصر لما جاز لعلي الرجوع.
والأول هو الصحيح؛ لأن الحجة في اتفاقهم لا في موتهم وقد حصل الاتفاق قبل الموت، ولأن المجتهد إنما يسوغ له الرجوع إذا كان منفرداً باجتهاده لجواز الخطأ عليه حينئذ، أما إذا كان متفقاً ف اجتهاده مع جميع أهل الحل والعقد فقد ثبت عصمته عن الخطأ حينئذ فلا يجوز له الرجوع.
وأما ما روي عن علي رضي الله عنه فلا حجة فيه؛ لأنه لا يدل على إجماع سابق من جميع المجتهدين، بل لم يجتمع إلا رأيه ورأي عمر كما قال.
هذا، وفائدة الخلاف هنا هي عدم جواز الرجوع بعد الاتفاق وعدم دخول من يبلغ رتبة الاجتهاد بعد ذلك في العصر على القول الأول.
الإجماع لا يختص بعصر الصحابة:
ذهب جمهور أهل العلم إلى صحة انعقاد الإجماع في أي عصر كان؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا تفرق بين عصر وعصر.
وذهب داود بن علي وأتباعه من أهل الظاهر وبعض أهل العلم إلى أن الإجماع الصحيح هو إجماع الصحابة؛ لأنهم هم الموصوفون بالإيمان عند نزول قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115]، وهم الأمة الموجودة عند تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
ومن جاءوا بعد الصحابة ليسوا كل الأمة ولا كل المؤمنين، كما أنه لا يمكن انضباط أقوال غير الصحابة لكثرتهم وتفرقهم.
والأول هو الصحيح؛ لأن نداء الأمة بوصف الإيمان كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، مثلاً لم يقصد به جيل دون جيل باتفاق أهل العلم، وقد قام الدليل الشرعي والعقلي على تأتي الإجماع في غير عصر الصحابة أيضاً كالإجماع على نجاسة الماء إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه.
الاختلاف في حكم الحادثة ثم الاتفاق عليها:
إذا اختلف أهل عصر في حكم الحادثة ثم اتفقوا فإن اتفاقهم يسمى إجماعاً بلا نزاع عند أهل العلم، إلا ما حكي عن الصيرفي كالاختلاف على إمامة أبي بكر ثم الاتفاق عليه.
أما إذا اختلف أهل العصر في حكم الحادثة ثم اتفق أهل العصر الذي بعده على قول فيها فهل يسمى اتفاقهم إجماعاً؟
ذهب أبو الخطاب والحنفية إلى أن يسمى إجماعاً؛ لأن تعريف الإجماع ينطبق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق... ).
وذهب القاضي أبو يعلى وبعض الشافعية إلى أنه لا يكون إجماعاً؛ لأنه فتيا بعض الأمة، فإن الذين ماتوا على القول الآخر من الأمة لا يبطل مذهبهم بموتهم.
والأول هو الصحيح؛ لأنه لا فرق بين هذا وبين اختلاف أهل العصر الواحد ثم اتفاقهم، ولأن اتفاق أهل العصر الثاني يدل على بطلان مذهب المخالف في العصر الذي قبله؛ لأن العصمة عن الخطأ إنما تثبت للمجمعين لا للمختلفين([1]).
[1]- روضة الأصول ص58-60.