الأصول المختلف فيها - القياس 3

الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

الأصول المختلف فيها - القياس 3

وذهب أهل الظاهر والنظَّام وبعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز التعبد بالقياس مستدلين بالشرع والعقل.

وذهب أهل الظاهر والنظَّام وبعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز التعبد بالقياس مستدلين بالشرع والعقل.

أما الشرع:

فقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، فإنهما يدلان على بطلان القياس؛ لأن إثبات القياس في الدين يؤدي إلى أن في الكتاب تفريطاً، وأنه ليس تنياناً لكل شيء.

وقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله. وكذلك قوله تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، فإن القياس رد إلى الرأي لا إلى الله والرسول.

كما نقل عن الصحابة أنهم كانوا يذمون الرأي وأهله؛ فقد روي عن عمر- رضي الله عنه - أنه قال: (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن)، وقال علي- رضي الله عنه -: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه)، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم برأيه). وقال الله لنبيه: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، ولم يقل: (لتحكم بما رأيت).

كما روي عن أحمد –رحمه الله - في إحدى الروايتين ذم القياس.

وأما العقل:

فلأن القياس ظني فكيف يرفع البراءة الأصلية وهي قطعية. ولأن الشرع قد يفرق بين المتماثلين ويجمع بين المتفرقين، فقد أمر بغسل بول الجارية ونضح بول الغلام، وأوجب الغسل من المني والحيض دون المذي والبول.

على أن النص على العلة لا يوجب الإلحاق كما لو قال: أعتقت من عبيدي سالما لأنه أسود، فإن ذلك لا يقتضي عتق كل أسود من عبيده، فكيف إذا لم ينص على العلة.

قالوا: وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، ليس المراد به القياس بل المراد به الاعتبار بحال من عصى أمر الله حتى لا يقع العاقل في مثل ما وقع فيه العاصي.

وحديث معاذ لم يصح فقد رواه الحارث بن عمرو عن رجال من أهل حمص، والحارث والرجال مجهولون.

والمختار هو القول الأول؛ لأن العمل بالقياس الذي توافرت شروطه يكون عملاً بالكتاب. إذ القرآن قد دل على طريق القياس وأتی بالقواعد على سبيل الإجمال. ومثله ما روي أن امرأة قالت لابن مسعود: أراك تلعن كيت وكيت وقد قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد ذلك فيه. قال: لو كنت فرانه لوجدته. قالت: وأين أجده؟ قال في قوله تعالى : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].

وأما ذم الصحابة للرأي وأهله فإن المقصود منه ما كان رأيا فاسدا كالقياس المخالف للنص؛ لأنه قد ثبت عنهم العمل بالقياس. وظنية القياس لا تدل على بطلانه فإن الظاهر والعام وخير الواحد ظني وظنيته لم توجب بطلانه.

ولا حجة لنفاة القياس في تفريق الشرع بين المتماثلين وجمعه بين المتفرقين؛ لأن بعض الأحكام تعبدي، وقد اشترطنا في صحة القياس كون حكم الأصل معقول المعنى.

وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، عام اللفظ فيشمل القياس والاعتبار بحال من عصی، وحديث معاذ قد ذكرنا طريقه الصحيح([1]).

.

 

 

 

[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول: ص117-118.

الموقع الرسمي للشيخ عبد القادر شيبة الحمد

shaibatalhamd.net