الأصول المختلف فيها - كيفية إدراك العلة الشرعية التي هي مناط الحكم

الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

الأصول المختلف فيها - كيفية إدراك العلة الشرعية التي هي مناط الحكم

كيفية إدراك العلة الشرعية التي هي مناط الحكم
(حصر مجاري الاجتهاد في العلل)
تعريف:
المراد بالعلة الشرعية هنا ما أضاف الشرع الحكم إليه ونصبه علامة عليه وعلقه به.

كيفية إدراك العلة الشرعية التي هي مناط الحكم

(حصر مجاري الاجتهاد في العلل)

تعريف:

المراد بالعلة الشرعية هنا ما أضاف الشرع الحكم إليه ونصبه علامة عليه وعلقه به؛ ولذا سميت: مناط الحكم؛ لأن الشرع ناط بها الحكم، أي: جعلها مكان نوطه أي: تعليقه، يقال: ناط الشيء ينوطه، إذا علقه، وإنما سميت علة إما لأنها الحكم، أو لأنها أثرت في المحل كتأثير العلة المرضية في المريض، أو أنها مأخوذة من العلل بعد النهل، وهو معاودة الشرب مرة بعد مرة؛ لأن المجتهد يعاود النظر في استخراجها مرة بعد مرة.

 أضرب إدراك العلة

إدراك العلة الشرعية على ثلاثة أضرب: وهي تحقيق المناط، وتنقيح المناط، وتخریج المناط

  1. تحقيق المناط: أي: تيقن العلة الشرعية، وهو نوعان:

( أ )- أن تكون هناك قاعدة شرعية منصوص أو متفق عليها ويجتهد الفقيه في تحقيقها في الفرع.

ومثاله قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95]، فنقول: المثل معلوم بالنص والإجماع، وهو واجب والبقرة مثل فتكون هي الواجب، فوجوب المثلية قاعدة كلية معلومة بالنص والإجماع.

أما تحقيق المثلية في البقرة بالنسبة للحمار الوحشي فيدرك بنوع اجتهاد. ومثاله أيضاً وجوب الكفاية في نفقة الزوجة فإنه متفق عليه، أما مقدار كفاية هذه الزوجة فإنه يدرك بنوع اجتهاد.

ومثاله أيضاً وجوب تعيين إمام عدل فإنه متفق عليه، أما أن زيدا أو عمرا يكون هو الإمام فهذا يدرك بنوع اجتهاد.

ومثاله أيضا قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، فوجوب التوجه إلى القبلة متفق عليه ، وأما كون هذه الجهة هي القبلة فإنه يدرك بنوع اجتهاد .

وهذا النوع من تحقيق المناط لا يعتبر من القياس لاتفاق الناس جميعا عليه مع اختلافهم في القياس؛ ولأن هذا من ضرورات جميع الشرائع فإنها تضع القواعد الكلية لتندرج تحتها جزئیات كثيرة يعسر التنصيص عليها.

( ب)- ما عرف علة الحكم فيه بنص أو إجماع وليس قاعدة كلية، فيبين المجتهد وجود هذه العلة في الفرع باجتهاده كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة : (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم)، فحكم بطهارتها وعلل بأنها طوافة على الناس، فهذا حكم في أصل عرفت علته بالنص فيجتهد المجتهد ليبين وجود الطواف في غير الهرة فيحكم بطهارته كذلك.

وهذا النوع من القياس الجلي. وقد أقر به كثير من نفاة القياس بحجة أن النص على العلة يوجب الإلحاق باللفظ كما صرح بذلك النظَّام فإنه قال: إن النص على العلة يوجب الإلحاق بطريق اللفظ والعموم لا بطريق القياس.

على أن بعض أهل العلم يجعل هذا النوع من تنقيح المناط.

  1. تنقيح المناط: أي: تهذيب العلة الشرعية، وهو أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب مقترن بأوصاف لا مدخل لها في الإضافة. فيلغيها المجتهد حتى يتسع الحكم.

ومثاله: ما روي أن أعرابيا جاء يضرب صدره وينتف شعره فقال: هلكت يا رسول الله، فقال: ما صنعت؟ قال : وقعت على أهلي في نهار رمضان. قال : (أعتق رقبة)، فأعرابیته وضرب صدره ونتف شعره، وكون المنكوحة أهله أوصاف لا مدخل لها في مناط الحكم فيعم الحكم الأعرابي والأعجمي، ومن ضرب صدره ومن لم يضربه، ومن نتف شعره ومن لم ينتفه، ومن واقع أهله أو غير أهله، ومن واقع في نفس رمضان هذا أو واقع في غيره. وإنما سمي هذا تنقيح المناط؛ لأن المجتهد هذب الأوصاف التي اقترنت بالحكم فألغي مالم يصلح علة، وأثبت ما يصلح للتعليل وهو وقاع مكلف في نهار رمضان، وقد أقر بهذا النوع أيضا أكثر نفاة القياس.

  1. تخريج المناط: وهو أن ينص الشارع على حكم ولم يتعرض لعلته کالنص على تحريم الخمر دون ذكر العلة التي من أجلها حرمها. فيجتهد المجتهد لإدراك علة التحريم فإذا وجد وصفا مناسبا للتحريم ولم يجد غيره وغلب على ظنه أنه هو علة الحكم قضى بعلبته وقاس عليه الفرع الذي توجد فيه هذه العلة فيقول: حرم الخمر لكونه مسكرا فيقاس عليه النبيذ الذي لم ينص على تحريمه.

وهذا النوع هو الذي وقع الخلاف في الاحتجاج به بين مثبتي القياس ونفاته. هذا، وبعض أهل العلم يذكر هذا البحث في الأدلة التي تثبت بها العلة ( مسالك العلة ) كما فعل في جمع الجوامع([1]).

.

 

 

[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول: ص119-121.

الموقع الرسمي للشيخ عبد القادر شيبة الحمد

shaibatalhamd.net