الحمد في القرآن والسنة
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
والحمد هو الثناء على الله رب العالمين بالجميل على ما أسدى من النعم، وعلى ما اتصف به من الأسماء الحسنى والصفات العلى، والرضا بقضائه وقدره، فهو المحمود قبل حمد الحامدين وشكر الشاکرین.
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، أي مجامع الحمد والثناء والشكر والمدح والرضا إنما يستحقها الله المعبود بالحق وحده، سيد كل شيء وخالقه ومالكه ومصلحه ومربيه، لا إله غيره ولا رب سواه.
والحمد هو الثناء على الله رب العالمين بالجميل على ما أسدى من النعم، وعلى ما اتصف به من الأسماء الحسنى والصفات العلى، والرضا بقضائه وقدره، فهو المحمود قبل حمد الحامدين وشكر الشاکرین.
والشكر هو الاعتراف والإقرار للمنعم بنعمته، وضده الكفر، والمدح نقيض الذم، والرضا ضد السخط، وكل من الشكر والمدح والرضا داخل في حقيقة الحمد، فحمد الله عز وجل يقتضي من العبد الثناء على الله ، والإقرار بآلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، ووصف الله عز وجل بجميع صفات الكمال التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله – صلى الله عليه وسلم- وتنزيهه عن كل نقص، وخضوع القلب والجوارح واللسان لله عز وجل، لأن جميع ما يصدر عن الله عز وجل يستحق الحمد عليه، سواء كان مما يعده العبد ضُرَّاً أو نفعا، كالعافية والبلوى، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والحياة والموت، وغير ذلك، فالله عز وجل محمود على كل حال، لما أسبغ من نعم ظاهرة وغير ظاهرة.
وقد وهم من زعم أن الحمد هو الثناء باللسان وحده، وأن الشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح، مستدلًا بقول الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يَدِي ولساني والضمير المحجبّا
فإن الحمد يشمل الشكر والمدح والرضا.
وسائر الكائنات في الوجود تسبح بحمد الله، بلسان الحال أو المقال، على حد قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44].
ولعظيم منزلة الحمد افتتح الله تبارك وتعالى به فاتحة الكتاب وأربع سور من القرآن العظيم، وهي: سورة الأنعام، وسورة الكهف، وسورة سبأ وسورة فاطر، وفي حيّز الحمد من هذه السور يلفت الله انتباه الخلق إلى موجبات حمده وشكره ومدحه والرضا بما يصدر عنه.
ففي سورة الفاتحة: لفت الانتباه إلى أنه رب العالمين، الرحمن الرحیم، مالك يوم الدين، وأنه وحده هو المستحق للعبادة، فلا يجوز أن يصرف شيء منها لغيره، وأنه وحده المستعان، وأنه الهادي إلى الصراط المستقيم.
وفي سورة الأنعام: لفت الانتباه إلى أنه وحده هو خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور.
وفي سورة الكهف: يلفت الانتباه إلى نعمته العظمی، وحجته البالغة؛ حيث أنزل القرآن العظيم، والذكر الحكيم على خير خلقه، وأفضل رسله، وخاتم أنبيائه، عبده محمد ﷺ؛ ليرسم للإنسانية طريق سعادتها ومنهج رشدها وعزها.
وفي سورة سبأ: يلفت الانتباه إلى أن جميع ما في السموات وما في الأرض لله عز وجل، مِلْكًا ومُلْكًا، فهو المستحق للحمد في الدنيا والآخرة.
وفي سورة فاطر: يلفت الانتباه إلى أنه وحده هو الذي فطر السموات والأرض، وجعل الملائكة رسلًا، وأنه على كل شيء قدير، وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم.
ونبّه الله تبارك وتعالى عباده إلى حمده في الصباح والمساء، والظهر والعشي؛ حيث يقول في سورة الروم: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17].
كما نبّه عز وجل إلى افتتاح الخطب بحمده؛ حيث يقول: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59]، کما اختتم السلام على المرسلين بحمده حيث يقول: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 181].
كما لفت انتباه عباده إلى حمد ربهم واستغفاره عند تمام نعمه عليهم؛ ليحفظها لهم؛ حيث يقول عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3].
فلله الحمد في الأولى والآخرة، كما قال عز وجل في سورة القصص: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]، ويقول في سورة لقمان: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25]، ويقول في سورة المؤمنون: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28].
وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39]، وقال عن داود وسليمان: {وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15]، وقال لنبيه محمد: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111].
ونبه عباده إلى أن أهل الجنة يختمون أذكارهم بحمد الله؛ حيث يقول في سورة يونس: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
وأشار عز وجل إلى تسبيح ملائكته بحمده؛ حيث يقول في سورة البقرة عن الملائكة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30]، ويقول في خواتيم المسك من سورة الزمر عن أهل الجنة والملائكة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 74-75]، كما قال عن أهل الجنة أنهم يقولون: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 34-35].
وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن الله يحب أن يحمده العبد ويشكره ويثني عليه عند: طعامه، وشرابه، وعند حصوله على ثوب جديد، أو نعل جديدة، وعند حدوث أية نعمة له، فقد روى مسلم في صحيحه([1]) من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «إن الله يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشرب فيحمده عليها».
کما روى أبو داود([2]) والترمذي([3])، وقال: حديث حسن، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استجدّ ثوبًا سمّاه باسمه -عمامةً أو قميصًا أو رداءً- يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له».
کما روى البخاري في صحيحه([4]) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي كان إذا رفع مائدته قال: «الحمد لله حمدًا كثيرا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفيٍّ ولا مستغنىً عنه ربنا».
کما روى أبو داود([5]) والترمذي([6])، وقال: حديث حسن، عن معاذ بن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه».
كما كان رسول الله إذا استيقظ من نومه حمد الله؛ فقد روى البخاري([7]) عن حذيفة وأبي ذر -رضي الله عنهما- أن رسول الله كان إذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور».
وکان رسول الله ﷺ يستفتح التهجد بعد تكبيرة الإحرام بحمد الله؛ فقد روى البخاري([8]) ومسلم([9])، واللفظ للبخاري، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد، قال: «اللهم لك الحمد أنت قيِّمُ السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت مَلِك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق»، الحديث.
كما كان من دعاء استفتاحه للصلاة أن يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك»([10]).
وقد صار حمد الله عز وجل في كثير من شعائر الإسلام، كقوله في الرفع من الركوع: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»، وفي الركوع والسجود: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»، وفي التلبية في الحج أو العمرة: «لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».
وبين رسول الله ﷺ أن من قال مائة مرة في يوم: سبحان الله وبحمده حُطّت خطاياه؛ فقد روى البخاري([11]) ومسلم([12]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».
کما روى البخاري([13]) ومسلم([14]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
كما روى مسلم([15]) من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض».
وقد أمر رسول الله ﷺ من عطش أن يحمد الله؛ فقد روى البخاري([16]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله؛ فليقل له: يهديكم الله ويُصلح بالكم».
کما روى مسلم([17]) من حديث أبي موسی -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا عَطِسَ أحدكم فحمد الله فشمِّتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمّتوه».
کما روى البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: عطس رجلان عند النبي ﷺ فشمَّتَ أحدهما ولم يشمِّت الآخر، فقال الذي لم يشمِّته: عَطِس فلان فشمَّته، وعطستُ فلم تشمّتني، فقال: «هذا حَمِدَ الله؛ وإنك لم تحمد الله»)[18]).
[1]- رقم (2734).
[2]- رقم (4020).
[3]- رقم (1767).
[4]- رقم (5458).
[5]- رقم (4023).
[6]- رقم (3458).
[7]- رقم (6312)، و(6325).
[8]- رقم (1120).
[9]- رقم (769).
[10]- أخرجه أبو داود (775)، والترمذي (240)، والنسائي في "الكبرى" (974) و (975)، وابن ماجه (804) من حديث أبي سعيد الخدري.
[11]- رقم (6405).
[12]- رقم (2691، 2692).
[13]- رقم (6406).
[14]- رقم (6406).
[15]- رقم (223).
[16]- رقم (6224).
[17]- رقم (2992).
[18]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل، الشيخ عبد القادر شيبة الحمد 1/11-16