السعادة والهدى في اتباع الرسول
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122].
بعد أن بيّن الله تبارك وتعالى أن الناس لا يستطيعون أن يضعوا لأنفسهم نظامًا وقانونًا يصلح دنياهم وآخرتهم، وأنهم لو وضعوا نظامًا لكان مبناه الظن والخرص واتباع أهوائهم وشهواتهم، وأن من اتبعهم على ذلك ضل عن سواء السبيل، وأن الصراط المستقيم هو ما شرعه العليم الخبير، وأرسل به رسله وبعث به النبي الأمي محمدا ﷺ الذي جاء بالشريعة الكاملة الشاملة التامة، الصالحة لكل زمان ومکان وجيل وقبيل، وأن الحلال هو ما أحله الله، وأن الحرام ما حرم الله، وحض عباد الله على الأكل من المباحات الطيبات، وحذرهم من المعاصي عمومَا ومن أكل الميتات وما لم يذكر اسم الله عليه خصوصَا، وندّد بالمشركين الذين يجادلون المسلمين في الميتات وما لم يذكر اسم الله عليه؛ شرع هنا في بيان أن المسلمين هم الأحياء حقيقة وأنهم يسلكون منهجهم على نور وبصيرة، وأن المشركين وسائر الكافرين أموات، صمٌّ وبُکمٌ في الظلمات، قد ضلوا سواء السبيل؛ بسبب ما زينته لهم شياطين الإنس والجن.
والمقصود من قوله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، تنفير المسلمين عن طاعة المشركين بالإشارة إلى أن المسلمين مستضيئون بأنوار الوحي الإلهي، وأن المشركين مستغرقون في ظلمات الكفر والجهل، فكيف يتأتى من مسلم أن ينقاد لكافر؟
والهمزة للاستفهام المقصود منه الإنكار والنفي، والمراد وجوب الاعتصام بالرسالة والعض عليها بالنواجذ، وعدم الالتفات إلى ما يلقيه الكفار من الشُّبه تبعًا لما يوحيه إليهم شياطينهم من زخرف القول غرورا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة، وبيان أن السعادة والهدى في متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن الضلال والشقاء في مخالفته، وأن كل خير في الوجود، إما عام وإما خاص، فمنشؤه من جهة الرسول، وأن كل شر في العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة. والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته؛ فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمةٌ ملعونةٌ إلا ما طلعت عليه شمسُ الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمسُ الرسالة ويناله من حياتها وروحها؛ فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}، فهذا وصف المؤمن، كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان وجعل له نورا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله تعالى رسالته روحًا والروح إذا عدم فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا}[الشورى: 52]»([1]).
وقوله تبارك وتعالى: {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، تأكيد لما تقرر من أن الهدى هدى الله، فمن هداه الله زيّن في قلبه الإيمان وحبّبه إليه، وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان ووفقه للخيرات، ومن لم يهده الله خذله فاستهوته الشياطين وأوحت إليه زخرف القول غرورا، وانتكس، وزُيّن له سوءُ عمله فرآه حسنا، وانصرف عن آيات الله کما قال عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 146] ([2]).