الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة

2020-09-03
الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة
اللطيفة الرابعة والأربعون من تفسير سورة الأعراف من كتاب تجريد التأويل للشيخ عبد القادر شيبة الحمد حول أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.

ومعنى قوله -عز وجل-: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، أي: اعبدوا الله سيدكم ومالككم ومصلح أموركم متذللين له، مستكينين مبتعدين عن الرياء وأفردوه بنوعي الدعاء؛ وهو دعاء العبادة ودعاء المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله -عز وجل-: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء: دعاء العبادة ودعاء المسألة؛ فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ويراد به مجموعهما؛ وهما متلازمان. فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره ودفعه، وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر؛ ولهذا أنكر تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا، وذلك كثير في القرآن كقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}، وَقَالَ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}، فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين الضر والنفع القاصر والمتعدي؛ فلا يملكون لأنفسهم ولا لعابديهم، وهذا كثير في القرآن يبين تعالى أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر؛ فهو يدعو للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعو خوفا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة.

ثم قال رحمه الله: إذا عرف هذا، فقوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، يتناول نوعي الدعاء؛ لكنه ظاهر في دعاء المسألة متضمن دعاء العبادة ولهذا أمر بإخفائه وإسراره. قال الحسن: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت أي ما كانت إلا همسا بينهم وبين ربهم -عز وجل-؛ وذلك أن الله -عز وجل- يقول:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}، وأنه ذكر عبدا صالحا ورضي بفعله فقال: {إذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} ا ه.

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: ص196-197

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق