معجزة خلق الإنسان

2020-06-28
قرر الله تبارك وتعالى أن الناس كانوا أمواتًا فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم، ويشير عز وجل بذلك إلى أن الإنسان كان في طور من أطواره جمادا کالموات لا أثر فيه للحياة؛ حيث كان أغذية ثم هضمها فتحولت إلى المني، الذي لو وضعته تحت المجهر ما رأيتَ أيَّ أثر لصورة الإنسان فيه.

قرر الله تبارك وتعالى أن الناس كانوا أمواتًا فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم، ويشير عز وجل بذلك إلى أن الإنسان كان في طور من أطواره جمادا کالموات لا أثر فيه للحياة؛ حيث كان أغذية ثم هضمها فتحولت إلى المني، الذي لو وضعته تحت المجهر ما رأيتَ أيَّ أثر لصورة الإنسان فيه،

وقد أخرج الله تبارك وتعالى هذا المني من الإنسان ماء دافقًا يخرج من بين الصلب والترائب، مندفعًا إلى قرار الرحم، ثم يتحول بعد مدة معينة إلى علقة؛ أي: قطعة دم حمراء مستطيلة، لا أثر للتخطيط الإنساني فيها، ثم بعد مدة تتحول العلقة إلى قطعة لحم لا شكل فيها للإنسان ولا تخطيط، فلا رأس ولا رقبة ولا أنف ولا أذنين ولا عينين ولا يدين ولا رجلين، ثم بعد مدة معينة يجري فيها الرسم والتخطيط، ويجعل المضغة عظامًا ویکسو العظام لحمًا.

وهو في هذه الأطوار كلها كأنه ميت أو جماد، ثم ینفخ فيه الروح فيتحرك ويصير خلقًا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة، على أن هذا التخطيط يتم في ظلمات ثلاث، وهي ظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، ويطبعه الله عز وجل على صورة لم يخلق قبلها مثلها من كل وجه، ولم يخلق بعدها مثلها من كل وجه، فجميع صور بني آدم تتفاوت، ومهما تشابهت فإن الله عز وجل يجعل فيها علامة فارقة تميز بين الشخص وغيره ليتعارفوا.

 ومع خلقه للإنسان على هذه الصورة التي ينفرد بها عن غيره من الناس؛ فإن الله عز وجل يطبعه كذلك في بطن أمه على أخلاق من يشاء الله من آباء الجنين أو أمهاته، وإلى ذلك يشير الله عز وجل حيث يقول: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 6]، وكما قال: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: 6].

ولا يستطيع أحد أن يدعي أن الأب أو الأم أو غيرهما يتمكن من فعل شيء من ذلك؛ فكم من رجل قوي نشيط لا يُولد له، وكم من امرأة صحيحة نشيطة لا تلد، وكم من امرأة تتمنى بنتًا فلا تلد إلا الذكور، وكم من إنسان يتمنى أن يولد له ذكر فلا يجيئه إلا الإناث؛ كما قال عز وجل: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].

كما أن لون الإنسان لا يستطيع أحد أن يتحكم فيه، لا الأب ولا الأم ولا الطبيب، وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن اللون قد ينجذب لعرق من عروق آبائه الأولين؛ فقد روى البخاري)[1]) ومسلم)[2]) واللفظ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، فقال النبي ﷺ: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حُمُرٌ، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقًا، قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق.

وإذا تأمل الإنسان قليلًا فيما احتواه الجسم الإنساني من دلائل؛ وجد الآيات البينات والحجج الظاهرات، فجميع البشر في مشارق الأرض ومغاربها مع اختلاف ألوانهم، وتباعد بلادهم ولغاتهم وحاجاتهم وأطعمتهم، تجد التركيب العضوي الواحد، فلكل واحد منهم عينان ولسان وشفتان وأذنان وحلقوم وأجهزة هضمية وأجهزة تنفسية وأجهزة دموية، إلى غير ذلك، مع اتحاد التركيب والتكوين للقلب والكبد والرئتين والأمعاء الغلاظ والأمعاء الدقاق وأجهزة الإخراج، وتشابه ما بين هذه الأجهزة في الإنسان والحيوان، وهداية كل جهاز من هذه الأجهزة إلى أداء وظيفته دون تدخل من أحد إلا الله الذي لا إله إلا هو ولا معبود بحق سواه.

ولما كان الإنسان هو المكلف من بين الخلق بعمارة الأرض هداه سُبل ذلك مع عجزه وضعفه، فإن الإنسان خُلق ضعيفًا، كما قال عز وجل: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وهو الوحيد من بين المواليد الذي ينزل من بطن أمه بلا أسنان، ولا يستطيع أن يتناول بيده شيئًا، ولا يستطيع أن يرفع رأسه مدة طويلة، بخلاف سائر مواليد الحيوانات فإنها بعد ولادتها بقليل تقوم وتمشي وتجري وتتبع أمها، والفرخ عندما يخرج من البيضة ينطلق باحثًا عن طعامه، وجميع هذه السمات للإنسان والحيوان واحدة مع تباعد الديار واختلاف أحوال الأقطار والأعصار)[3]).

 

 

[1]- رقم (5305).

[2]- رقم (1500).

[3]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل، الشيخ عبد القادر شيبة الحمد 1/79-82.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق