إفك مفترى حول عيسى عليه السلام

2020-01-12
إفك مفترى حول عيسى عليه السلام
مقال من العدد السادس عشر من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. يتحدث المقال عن التدليس في مولد عيسى عليه السلام في العهدين القديم والحديث، ثم يوضح قصة ولادته كما هي مذكورة في القرآن الكريم

نشرت صحيفة الميثاق الأسبوعية التي تصدر في طنجة بالمغرب في عددها رقم 145 من السنة بفاس ذكر فيها أنه وجد في ص212 في كتاب (التاريخ القديم من عصور ما قبل التاريخ إلى الفتح العربي) (للسنة الأولى من القسم الثانوي بالمدارس الإسلامية بالمغرب الذي ألفه الأستاذ إبراهيم بو طالب ومحمد زيبر وعبد العزيز أمين وآخرون، والذي نشرته ووزعته دار الثقافة ودار الكتاب بالدار البيضاء) النص التالي: "ولد من مريم ببيت لحم في أسرة متواضعة، حيث كان أبوه نجارًا فاشتغل معه صبيًا ثم شبّ حتى أنزل عليه الوحي الإلهي وسنه سبع وعشرون سنة إلخ".

ثم ذكر فضيلة الشيخ محمد بن عبد السلام كنون، أن هذا ولا شك يصادم الكتاب والسنة وما علم مجيئه من الدين بالضرورة أن المعتقد الإسلامي كما هو معلوم أن عيسى وُلِدَ بدون أب ثم قال: "ولعل الذين يقولون أن له والدًا كان نجارًا هم اليهود".

وإني لأشكر فضيلة الشيخ محمد بن عبد السلام كنون على كلمته القيمة، وغيرته على دين الله جزاه الله خيرًا، ونأمل من جميع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يكثروا من تفحص ما ينشر أو يقرر من كتب في البلاد الإسلامية، وأن يعملوا على إلقاء الأضواء على ما قد يدس فيها من إفساد لعقائد أبناء المسلمين.

والواقع أن الناس قد اختلفوا في عيسى بن مريم عليه السلام بعد إطباقهم على أن أمه عندما حبلت به لم تكن متزوجة. فزعم اليهود لعنهم الله أنه ولد زنا وقالوا على مريم بهتانًا عظيمًا، وإلى ذلك يشير الله عز وجل حيث يقول: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:156].

وأما النصارى فلم يقل واحد منهم إنه ابن يوسف النجار، فنص الفقرة (18) من الإصحاح الأول من إنجيل متى يقول: "أما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس" وتقول الفقرة (27) من الإصحاح الأول من إنجيل لوقا، واسم العذراء مريم، "28 - فدخل إليها الملاك وقال: سلام لك أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت في النساء 29- فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية، 30- فقال لها الملاك، لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة الله، 31- وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسميه يسوع"، ثم يقول في الفقرة 34- من نفس الإصحاح: "فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجال، إلخ".

غير أن النصارى قد اخترع لهم شاول اليهودي (بولس) الزعم بأن المسيح ابن الله ولم يكن أحد من الحواريين قد سمع من عيسى عليه السلام تقرير هذه البنوة المفتراة.

وقد أشار برنابا في الإصحاح الأول من إنجيله إلى سبب تأليفه وأنه ألفه للرد على شاول الذى ادعى أن المسيح ابن الله فقد جاء في مقدمة برنابا ما يلي: "أيها الأعزاء إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم، والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة للتضليل كثيرين ما سوى التقوى مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله دائمًا مجوزين كل لحم نجس الذي ضل في عدادهم أيضًا بولس (شاول) اليهودي الذي لا أتكلم عنه إلا من الأسى وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته".

وفي الإصحاح السبعين منه يقول: "أجاب يسوع، وما قولكم أنتم فيّ؟ أجاب بطرس: إنك المسيح ابن الله، فغضب حينئذ يسوع وانتهره بغضب قائلًا اذهب وانصرف عني لأنك أنت الشيطان، وتريد أن تسيء إلي". 

وفي الإصحاح الثالث والتسعين منه يقول: "أجاب الكاهن أن اليهودية قد اضطربت لآياتك وتعليمك حتى أنهم يجاهرون بأنك أنت الله، فاضطررت بسبب الشغب إلى أن آتي إلى هنا مع الوالي الروماني والملك هيرودوس فنرجو من كل قلبنا أن ترضى بإزالة الفتنة التي ثارت بسببك لأن من يقول أنك الله وآخر يقول أنك ابن الله، ويقول فريق أنك نبي، أجاب يسوع وأنت يا رئيس الكهنة لماذا لم تخمد الفتنة وهل جننت أنت أيضًا؟ وهل أمست النبوات وشريعة الله نسيًا منسيًا، أيتها اليهودية الشقية التي ضللها الشيطان" ولما قال يسوع هذا عاد فقال: "إني أشهد أمام السماء، وأشهد كل ساكن على الأرض أني بريء من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر، لأني بشر مولود من امرأة وعرضة لحكم الله أعيش كسائر البشر".

أما المسلمون فيعتقدون أن المسيح عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الله تبارك وتعالى خلقه من غير أب آية للدلالة على عظيم قدرته، وأنه تعالى لا يعجزه شيء، وكما أوجد آدم من غير أب ولا أم، وكذلك أوجد حواء من غير أم، جعل عيسى آية كذلك كما قال عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران:59]، وكما قال: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف:61] ويقول: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف:59].

وقد أوضح الله تبارك وتعالى في محكم كتابه قصة ولادته حيث قال:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم:16-37].
 وصلى الله وسلم وبارك على النبي وآله وصحبه وسلم.

الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
المدرس بكلية الشريعة بالجامعة
 

المصدر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق