هل يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؟

2020-06-27
هل يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؟

هل يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؟

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؛ لأن أدلة حجية الإجماع لا تفرق بين القليل والكثير، فلو تصور أن عدد المجتهدين نقص عن حد التواتر فإن اسم الجماعة والأمة لا يفارقهم.

وذهب قوم إلى أنه يشترط في المجمعين أن يبلغوا حد التواتر؛ لأن استحالة الخطأ على المجمعين من جهة حكم العادة، فلا بد من عدد تحيل العادة اتفاقهم على الكذب.

وهذا فاسد لأن عصمة الأمة عن الخطأ ووجوب اتباعها ثابت بالشرع لا بالعادة.

وإن لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد لا يعتبر قوله إجماعاً لأنه لا ينطبق عليه تعريف الإجماع في اصطلاح الأصوليين. هذا، ومسألة نقصان المجمعين عن حد التواتر وإن كانت ممكنة عقلاً فإنها لم تقع شرعاً.

أهل الإجماع:

لا نزاع في أن من بلغ من العلماء درجة الاجتهاد في الأحكام الشرعية يعتبر من أهل الإجماع. كما أنه لا نزاع في أن الصبيان والمجانين والكفار ليس من أهل الإجماع.

وقد اختُلف في عوام المسلمين فذهب الجمهور إلى أنهم لا يعتبرون من أهل الإجماع؛ لأن العامي ليست عنده آلة هذا الشأن، ولو أفتى بغير علم ضل وأضل.

وقال أبو بكر الباقلاني: يعتبر العوام في الإجماع لدخولهم في اسم المؤمنين، كما أن لفظ الأمة يشملهم.

وهذا فاسد؛ لأن المفهوم من عصمة الأمة عن الخطأ هو عصمة جماعة أهل الحل والعقد فيها إذ هم المتأهلون لاستنباط الأحكام.

ومن أدرك نوع علم لا يجعله في رتبه المجتهدين فأنه لا يعتد به في الإجماع لأنه بمنزلة العوام.

وقال قوم: لا ينعقد الإجماع بدون هؤلاء، فلو خالف من عرف الأصول دون الفقه، أو الفقه دون الأصول، أو أدرك أحد العلوم كان كالنحو أو التفسير أو الحديث فإنه لا يعتد بهذا الإجماع الذي خالفه؛ لأن المواد التي أدركها هؤلاء هي الأسس التي يبني عليها الاجتهاد و هي الآلة التي تعينهم على إدراك الأحكام إذا أرادوا.

وهذا فاسد؛ لأن المتأهل لإدراك الأحكام هو من عرف جميع هذه المواد. وأما الفاسق فإنه لا يعتد به في الإجماع؛ لأن فسقه يورث تهمته ويسقط عدلته.

وقال أبو الخطاب: يُعتد به لأنه من جملة الأمة، كما أن لفظ المؤمنين يشمله. والأول أصح لأنه بفسقه سقط عن رتبة جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين.

وأما صاحب البدعة فذهب الجمهور أيضاً إلى عدم الاعتداد به في الإجماع لأنه متهم في الدين، وقال أبو الخطاب: يُعتد به لأن لفظ الأمة يشمله، والأول أصح لأن المبتدع ساقط عن رتبة جماعة أهل الحل والعقد من المسلمين.

هل يعتد بقول التابعي في عصر الصحابة؟

إذا بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة فإنه يُعتد به في إجماعهم عند الجمهور، لأنه من جملة الأمة، ولا خلاف أن الصحابة سوَّغوا اجتهاد التابعين مع وجود الصحابة، فقد ولي عمر رضي الله عنه شريحاً القضاء والكتاب، وكتب إليه: (مالم تجد في السنة اجتهد رأيك).

وقد كان بعض التابعين كسعيد بن المسيب أعلم من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وقد روى الإمام أحمد في الزهد أن أنساً رضي الله عنه سأل عن مسألة فقال: (سلوا مولانا الحسن –يعني البصري- فإنه غاب وحضرنا وحفظ ونسينا، وإنما يفضل الصحابي بفضل الصحبة أليس فيكم أبو الشعثاء –يعني جابر بن زيد- وجاء عن ابن عباس أنه قال: لو أخذ أهل البصرة بقول جابر بن زيد لأوسعهم علماً.

وذهب القاضي أبو يعلى وبعض الشافعية إلى عدم الاعتداد بالتابعي في عصر الصحابة؛ لأن الصحابة شاهدوا التنزيل، وهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد، ولأن عائشة رضي الله عنها أنكرت على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف لما خالف ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال ابن عباس بوضع الحمل، وقال أبو سلمة بأبعد الأجلين.

فقالت عائشة لأبي سلمة: (إن مثلك مثل الفروج سمع الديكة تصيح فصاح).

والأول أصح؛ لأن مجتهدي التابعين مع الصحابة كالعلماء بعضهم فاضلاً ومفضولاً.

وفضيلة الصحبة لا توجب اختصاصهم بالاجتهاد ولا بكونهم أعلم، وحتى لو كانوا أعلم ما نفى ذلك اجتهاد غيرهم معهم، فإن بعض الصحابة كانوا أعلم من بعض، ومع ذلك لم يسقط اعتبار المفضول. وانكار عائشة قد يكون للتأديب، مع أن أبا هريرة وافق أبا سلمة وقال: أنا مع ابن أخي.

هذا، ولا نزاع في أن التابعي إذا لم يبلغ درجة الاجتهاد حتى انعقد إجماع الصحابة على مسألة، ثم بلغ رتبة الاجتهاد في حياة الصحابة، فإنه لا يُعتد به في ذلك الإجماع السابق إلا على من يشترط انقراض العصر في الإجماع([1]).

 

 

[1]- روضة الأصول ص53-56.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق