أطوار الصيام

2020-06-28
الطور الأول من أطوار الصيام قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183-184]. الطور الثاني من أطوار الصيام قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

الطور الأول من أطوار الصيام

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 183-184].

هذا بيان لحكم آخر من هذه الأحكام العظيمة التي تربي النفس الإنسانية أحسن تربية؛ فتزکيها وتطهرها، وتنمي فيها مسالك الخير، وتضيق مسالك الشيطان، حيث نادى الله تبارك وتعالى المؤمنين في هذا المقام من سورة البقرة، وأعلمهم أنه فرض عليهم الصيام کما فرضه على من قبلهم من أمم الأنبياء السابقين؛ ليسلكوا سبيل المتقين، حيث يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

وقد جعل الله تبارك وتعالى الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة التي بينها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل من رواية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عند مسلم([1])، ومن رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاري([2]) ومسلم([3])، کما سقت نصه في تفسير الآية السابعة والسبعين بعد المائة.

وكما روى البخاري([4]) ومسلم([5]) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).

وأصل الصيام في اللغة هو الإمساك عن الشيء والكف عنه، ومنه قوله عز وجل في قصة مریم: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26]، أي: إمساكًا عن الكلام، بدلیل قوله بعد ذلك: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}، ويقال: صام النهار، إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة، ومنه قول امرئ القيس:

فدعها وسل الهمّ عنها ** بجسرة ذمول إذا صام النهار وهجرا

وقال شاعر آخر:

إذا صام النهار واعتدل ** وسال للشمس لعاب فنزل

ويقال: صامت الريح إذا ركدت، وصامت الخيل إذا قامت على غير اعتلاف، ومنه قول النابغة:

خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

والصوم في الاصطلاح الشرعي: هو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات حال العلم بكونه صائما مع اقتران النية.

وقوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، أي يا معشر من آمن بالله ورسوله ودخل في دين الإسلام: فرض علیکم الصیام کما فرض على من كان قبلكم من أمم الأنبياء السابقين.

ولما لم يثبت بحديث صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّ عين فريضة الصيام التي

فرضت علينا هي عين فريضة الصيام التي فرضت على الأمم السابقة، ولما كان تشبيه شيء بشيء لا يلزم منه أنهما متشابهان من كل الوجوه؛ فإنه لا يلزم من تشبيه صومنا بصومهم أن يكون صومهم مختصًا برمضان أو بصيام شهر في السنة.

والمقصود من إيراد هذا التشبيه هو بيان أن إيجاب الصوم شرع الله على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذا يسهل الصوم على المسلمين؛ لأن النفس من طبيعتها أن يسهل عليها ما علمت أنها غير مختصة بحمله، على حد قول الخنساء:

ولولا كثرة الباكين حولي ** على إخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكين مثل أخي ولكن** أُسلِي النفس عنه بالتأسّي

فالشرائع متفقة في الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والملائكة، ولكنها تختلف في شرعتها ومنهاجها كما قال عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، فالصلاة فرضت على جميع أمم الأنبياء لكنها ليست عند الأنبياء خمس صلوات كما هو الحال لأمة محمد ﷺ، ولذلك لما أخبر الله رسول الله ﷺ موسی -علیه السلام- ليلة الإسراء بأن الله فرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة، قال له موسى -عليه السلام-: "إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك"، الحديث([6]).

على أن قوله تعالى: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، إذا اعتبرت (ما) مصدرية يكون تقديره: كَتْبًا كَكتْبه على الذين من قبلكم، فيكون التشبيه في أصل الفرض لا في وصفه.

وقوله عز وجل: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، بيان لحكمة الصوم وأنه يورث التقوى؛ لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، حيث أثره الظاهر في كسر شهوة البطن والفرج والردع عن الأشر والبطر والفواحش، مع ما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقية الجسم من الأخلاط الرديئة والفضلات المضرة والشحوم الزائدة التي ينبغي أن يتخلص منها الجسم.

وقد أقر بجلیل فوائد الصيام أمم من أطباء المسلمين وغيرهم في سائر الأعصار، ولذلك وصف رسول الله ﷺ الصيام بأنه جُنّة كما وصفه بأنه له وِجاء، والجنة هي الوقاية التي يتقي بها الإنسان المخاطر ويصون بها نفسه، كما يستتر المقاتل بالمجنة وهي الترس الذي يتترس به من أعدائه، والوجاء يؤول بصاحبه إلى تمكنه من قمع شهوة نفسه، فقد روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من حديت هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله  ﷺ قال: (الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك،  يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي، وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها) ([7]).

کما روی البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»([8]).

وقوله تبارك وتعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، أي أيامًا قلائل، والمقصود بهذه الأيام القلائل المعدودات هي شهر رمضان، والتعبير بكونها معدودات للإشعار تيسيرها وتسهيلها وأنها يمكن ضبطها، وقد جرت عادة التشريع في الإسلام على مراعاة إعداد الأنفس لاستقباله، کما شرعت الصلاة ركعتين ركعتين ثم أُقرت في السفر وزيدت في الحضر، وكذلك الصيام فقد كان رسول الله ﷺ في السنة الأولى من الهجرة قد حتّم صوم يوم عاشوراء وأمر به، فلما فرض رمضان في السنة الثانية للهجرة صار صيام يوم عاشوراء تطوعًا، فقد روی البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟»، قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه([9]).

کما روى مسلم([10]) من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان، لم يأمرنا، ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده».

ولما فرض رمضان جعل الصيام من بعد صلاة العشاء أو النوم ولو بعد المغرب إلى غروب الشمس، لكنه وسع فيه وأذن للصائم إذا رغب في الفطر أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا على سبيل الحتم والإلزام مع ترغيب المسلمين بأن الصيام خير لهم، وكان المقصود بذلك هو تعريف المسلمين بنعمة الله عليهم؛ ذا جعل لهم الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وهو التشريع المستقر إلى يوم القيامة.

وقوله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}،  أي: فمن كان منكم أيها المسلمون مريضُا في رمضان أو مسافرًا؛ فإن الله تبارك وتعالى رفع عنه المشقة بسبب مرضه أو سفره؛ فرخص له في أن يفطر وقت مرضه في رمضان أو قت سفره فيه، وعليه: إذا زال عنه المرض أو إذا حضر المسافر وزالت عنه علة السفر؛ أن يقضي بعدة ذلك من أيام في غير رمضان ولا فدية عليه.

وقوله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أي: وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام؛ فإنه يجب عليه الصيام وجوبا مخيرا، فإن شاء صام وإن شاء أفطر، ولزمه عن كل يوم يفطره من

رمضان فدية هي إطعام مسكين، فإن أطعم عن كل يوم أكثر من مسكين فهو خير له، وإن صام فهو أفضل من الإطعام، وكون بعض الواجب المخير أفضل من بعض لا إشكال فيه عند أهل العلم كما في خصال كفارة اليمين حيث أوجب الله تبارك وتعالى على من وجبت عليه كفارة يمين أن يخيّر بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا شك أن تحرير الرقبة

أفضل من إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.

وقد ذهب عامة أصحاب رسول الله ﷺ عدا ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى أن قوله تبارك وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، منسوخ بقوله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}،  وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هي ليست بمنسوخة بل هي مخصوصة بالشيخ الكبير الفاني والمرأة الكبيرة ممن يشق عليه الصيام؛ فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا، وكان يقرأ هذه الآية {يُطوّقونه} أي: يكلفون إطاقته، وعلى تفسير ابن عباس يمكن أن يكون الكلام على تقدير «لا» في قوله عزوجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}، والعرب قد تحذف الحرف وهو مراد، أو قد تذكره وهو غير مراد لعلم السامع بالمراد، كقوله تبارك وتعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85]،  أي قالوا: تالله لا تفتأ تذكر يوسف، وكذلك قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} [النور: 22]،

أي: ولا يأتل أولو الفضل منکم والسعة أن لا يؤتوا أولي القربى، ومنه قول امرئ القيس:

فقلت يمين الله أبرح قاعدًا **وإن قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي لا أبرح قاعدا؛ لأن العرب لا يستعملون: فتئ وبرح إلا منفية، فإذا جاءت بغير حرف النفي علم قطعا أنه مراد.

ومثال زیادة (لا) وهي غير مرادة قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الحديد: 29]، قال البخاري في صحيحه، باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ}([11])، قال ابن عمر، وسلمة بن الأكوع: نسختها {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقَانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ، وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

وقال ابن نمير، حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، حدثنا ابن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-: نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، فنسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] فأمروا بالصوم".

حدثنا عياش، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قرأ: (فِدْيَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ) قال: «هي منسوخة».

وأخرج مسلم([12]) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: " لما نزلت هذه الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها"([13]).

 

 

الطور الثاني من أطوار الصيام

قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

هذا هو الطور الثاني من أطوار الصوم، وهو إيجاب صوم شهر رمضان على التعيين ونسخ ما كان من التخيير في وجوبه بين الصيام والإطعام، وقد ذكرت في تفسير قوله عز وجل في الآية السابقة: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، أن عامة أصحاب رسول الله ﷺ ما عدا ابن عباس -رضي الله عنهما- قد ذهبوا إلى أن قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، منسوخ بقوله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وأنه تعين على كل صحيح مقيم من المسلمين المكلفين صيام ما يشهده من شهر رمضان، وبذلك سقط إيجاب الصوم على التخيير وثبت التعيين، وحتی عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يقرر عدم إيجابه على التخيير كذلك، وإنما يجب على التعيين إلا في حق الشيخ الفاني الكبير والمرأة الفانية الكبيرة،

على أن عامة أهل العلم كذلك مع ابن عباس -رضي الله عنهما- في حق الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، ولذلك ثبت أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما صار في عشر المائة من عمره كان يفطر رمضان و يطعم عن كل يوم مسكينًا، فقد قال ابن کثیر -رحمه الله- : قال البخاري([14]): "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس -بعد أن كبر عاما أو عامين -كل يوم مسكينا خبزا ولحما، وأفطر.

وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، فقال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا عمران، عن أيوب بن أبي تميمة قال: ضعف أنس بن مالك عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، فدعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم([15]).

وقوله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، أي: الأيام المعدودات هن شهر رمضان، قال ابن جریر -رحمه الله- في تفسيره: "وقد بينت فيما مضى أن «شهر» مرفوع على قوله: {أياما معدودات} [البقرة: 184] ، هن شهر رمضان، وجائز أن يكون رفعه بمعنى ذلك شهر رمضان، وبمعنى كتب عليكم شهر رمضان"([16]).

وشهر رمضان علم جنس مرکب ترکيبًا إضافيًا، وكذا باقي أسماء الشهور من حيز علم الجنس. وكانت ربيعة تطلق اسم رجب على شهر رمضان فهو رجب ربيعة، أما مضر فكانوا يسمونه شهر رمضان؛ ولذلك لما خطب رسول الله ﷺ في حجته قال في ذكر الأشهر الحرم: «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» کما رواه البخاري([17]) ومسلم([18]) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وإنما قال ذلك للاحتراز مما تطلقه ربيعة على شهر رمضان إذ تسمیه رجبا.

وقوله عز وجل: {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، مدح من الله عز وجل وثناء على شهر الصيام من بين سائر الشهور، حيث اختاره الله عز وجل من بينهن لإنزال القرآن العظيم والذكر الحكيم، ومعنی إنزال القرآن فيه أن الله بدأ بإنزال القرآن على نبيه ﷺ في هذا الشهر المبارك کما يقول القائل: جاء الشتاء لأول يوم منه؛ أي ابتدأ دخول الشتاء، لا أن الشتاء جاء كله في وقت حديثك عن دخوله.

ولم يثبت خبر صحیح مرفوع مسند إلى رسول الله ﷺ بأن القرآن نزل جملة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نجمه جبريل على رسول الله ﷺ في ثلاث وعشرين سنة، وقد ألف مفتي الديار السعودية السابق الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رسالة لبيان بطلان القول بأن القرآن نزل جملة إلى السماء الدنيا، وأن جبريل نجمه على رسول الله ﷺ في ثلاث وعشرين سنة، وبيّن رحمه الله أن هذا القول دسيسة اعتزالية لإنكار أن يكون الله تبارك وتعالى تكلم بالقرآن؛ لأن المعتزلة عن الحق ينكرون صفة الكلام لله عز وجل، وإن تعجب فعجب لعدم تفطن كثير من العلماء لهذه الدسيسة الاعتزالية، ومن العجيب كذلك أن القرطبي -رحمه الله- قال في مقدمة

تفسيره: "وذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد: أن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم فرق على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة"([19])، ثم قال القرطبي في تفسير هذه الآية، قوله تعالى: {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، "نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان، وهو يبين قوله عز وجل: {حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} [الدخان: 3 - 1]، يعني ليلة القدر، ولقوله: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وفي هذا دليل على أن ليلة القدر إنما تكون في رمضان لا في غيره"([20])، ثم قال القرطبي -رحمه الله وعفا عنا وعنه-: "ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر- على ما بيناه - جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل -صلى الله عليه وسلم- ينزل به نجمًا نجمًا في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في عشرين سنة. وقال ابن عباس: أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام نجوما- يعني الآية والآيتين- في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة"([21]).

ثم قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وقال الشعبي: "المعنى إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه السلام جملة واحدة في ليلة القدر، من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزة، وأملاه جبريل على السفرة «1»، ثم كان جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما نجوما. وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة، قاله ابن عباس، وقد تقدم في سورة" البقرة" «3». وحكى الماوردي عن ابن عباس قال: نزل القرآن في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة، جملة واحدة من عند الله، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة. قال ابن العربي: وهذا باطل، ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد عليهما السلام واسطة"([22]).

وبهذا يتضح التناقض بين دعوى الإجماع التي أوردها في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وبين قوله الحق التي فتح الله تعالى بها على القاضي أبي بكر بن العربي رحمه الله وأجزل

مثوبته.

ولتشريف الله تبارك وتعالى لهذا الشهر المبارك بابتداء إنزال القرآن فيه؛ كان جبريل عليه السلام ينزل كل ليلة في رمضان يعرض عليه رسول الله ﷺ فقد روى البخاري([23]) ومسلم([24]) في صحيحيهما من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"

ولذلك عني المسلمون بكثرة قراءة القرآن في شهر رمضان حتى صار يسمى شهر القرآن.

وقوله عز وجل: {هُدًى لِلنَّاسِ}، أي هاديًا للناس من الضلالة.

وقوله: {وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، أي وآيات واضحات جليات مما يهدي إلى الرشد في شئون المعاش والمعاد ويفرق بين الحق والباطل، وقد وعت الجن هذه الحقيقة عندما سمعت القرآن؛ فقالوا كما ذكر الله عز وجل عنهم: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1-2].

وقوله عز وجل: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، أي فمن كان منكم أيها المسلمون المكلفون مقیمًا غیر مسافر، صحيحًا غير مريض في شهر رمضان فيتحتم عليه الصوم، وقد انعقد إجماع علماء المسلمين على أن الحيض والنفاس يمنعان المرأة من الصوم والصلاة لكنها

تقضي ما يفوتها من صوم رمضان دون الصلاة.

وقوله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، أي: ومن كان مصابًا بمرض يشق معه الصوم أو يؤخر برأه أو كان على جناح سفر.

ولما كانت هذه الآية الكريمة ناسخة للطور الأول من أطوار الصيام، كان قوله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ليس لتكرار قوله في الآية السابقة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}؛ لأنه لو خلا منه هذا المقام ربما توهم متوهم أن هذا الحكم نُسخ مع الآية التي نسخ حكمها وهي قوله عز وجل: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.

وقوله عز وجل: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، أي: يحب الله عز وجل أن يستر عليكم في ما يشرّعه لكم من الأحكام، ويكره أن يعسّر ويشدد عليكم فيها يشرعه لكم من الأحكام؛ لأنكم أمة النبي الذي بعثه الله بالتيسير ولم يبعثه بالتعسير، ووصفه بقوله: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}، والمراد بالإرادة هنا هي الإرادة الشرعية لا الكونية القدرية التي بمعنى المشيئة، فإن إرادة الله عزوجل تكون شرعية بمعنى المحبة، وتكون كونية قدرية بمعنى المشيئة، والإرادة الكونية لا تتخلف أبدًا، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهي ملازمة للأمر الكوني على حد قوله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، والأمر الشرعي ملازم للإرادة الشرعية؛ فلا يأمر الله عز وجل إلا بما يحب ولا ينهي إلا عما يكره تبارك وتعالى؛ ولذلك قال عز وجل: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، وقال عز وجل: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7].

وقوله عز وجل: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، هو القاعدة الأساسية للتشريع الإسلامي، فمبناه على التيسير بحمد الله ومنته؛ ولذلك ما خُيّر رسول الله ﷺ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وكان يكره التنطع والتشدد..

وقوله عز وجل: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ}، أي إنما رخص الله وجل لكم في الإفطار في شهر الصوم للمرض أو السفر ونحوهما من الأعذار؛ لأنه يحب التيسير عليكم، وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا وتتموا عدة شهركم.

وقوله عز وجل: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، أي: ولتذكروا الله عز وجل وتقولوا: الله أكبر، عند انقضاء عبادتكم وشهر صومكم، ولتشكروا الله الذي وفقكم للصيام والعبادة التي يورثكم بها جنات النعيم. وقد نبه الله تعالى المسلمين إلى ذكره وشكره عند قيامهم بأداء شعائرهم وعبادتهم؛ حيث يقول: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200]، ولذلك كان رسول الله ﷺ وأصحابه -رضي الله- عنهم يكبرون دبر الصلوات؛ فقد روى البخاري([25]) ومسلم([26]) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتكبير"([27]).

 

 

الطور الثالث والأخير من أطوار الصيام

قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 186-187].

هذا هو الطور الثالث والأخير من أطوار الصيام الذي استقر عليه حال الصوم في الإسلام، وقد ذكر الله تبارك وتعالى آية الدعاء متخللة بين آیات الصيام؛ لإرشاد المؤمنين الصائمين إلى الحرص على الدعاء والاجتهاد فيه عند إكمال عدة الصوم وعند كل فطر.

قال ابن كثير في تفسيره: "وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء، متخللة بين أحكام الصيام، إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر، كما رواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا أبو محمد المليكي، عن عمرو -هو ابن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة)، فكان عبد الله بن عمرو إذ أفطر دعا أهله، وولده ودعا([28]).

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه: حدثنا هشام بن عمار، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن إسحاق بن عبيد الله المدني، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد)، قال عبد الله بن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي([29]).

وفي مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين([30])" اهـ ([31]).

وقوله عزو جل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، أي: وإذا استفهم منك المؤمنون عن ربهم؛ فعرّفهم بأني قريب منهم بعلمي لا يحتاج من يدعوني ويسألني إلى وسطاء أو شفعاء أو صراخ ورفع صوت، وإني أشاهد حركاتكم وسکناتكم؛ فادعوني تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول في أية ساعة شئتم ما دمتم في مکان کریم؛ فإني أستجيب دعاءكم وأعطيكم مسألتكم، ولیکن توسلكم بالاستجابة لديني والانقياد لأمري، فإنكم إن أفردتموني بالعبادة وطلبتم كل حوائجكم مني رشدتم واهتديتم.

وقد روى البخاري ومسلم([32]) من حديث عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» قال وأنا خلفه، وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال يا عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة، فقلت: بلى، يا رسول الله قال: " قل: لا حول ولا قوة إلا بالله».

وقد أرشد رسول الله ﷺ المسلمين أن يطلبوا من الله حوائجهم وهم واثقون في رحمته وجوده، فقد روی البخاري ([33]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-  (لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء، لا مُكرِه له).

کما روى مسلم([34]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: (إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه).

  كما روى البخاري([35]) ومسلم([36]) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم).

وقوله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية، هذه هي الآية الكريمة التي ختم الله بها أحكام الصوم في الإسلام، وقرر الطور الثالث والأخير من أطواره ، وهو نسخ ما كان في الطور الأول والثاني من أطوار الصيام؛ حيث كان وقت الفطر من غروب الشمس إلى صلاة العشاء أو النوم قبلها، فكان من صلى العشاء حرم عليه الأكل والشرب وسائر المفطرات إلى غروب شمس اليوم الثاني، وكذلك من نام قبل صلاة العشاء يحرم عليه بمجرد النوم الأكل أو الشرب أو قربان النساء إلى غروب شمس اليوم الثاني، وكان المقصود من ذلك التشريع هو تدريب المسلمين على الصبر وتعريفهم بفضل الله عليهم إذا نسخ هذا الحكم وجعل وقت

الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

قال البخاري في صحيحه([37]): باب قول الله جل ذكره: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].

1915 - حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه، قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما، فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحا شديدا، ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187].

هذا لفظ حديث البراء الذي أورده البخاري رحمه الله الذي أورده في کتاب الصوم من صحيحه من طريق أبي إسحاق عن البراء، وأورده التفسير([38]) من طريق أبي إسحاق أيضًا قال: سمعت البراء -رضي الله عنه-: «لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم». فأنزل الله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: 187].

وقوله عز وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، أي: أبيح لكم أيها المسلمون الذين كتب عليكم الصيام قربان زوجاتكم في ليلة الصيام، والليلة تطلق على الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق، والمراد بالرفث هنا مقارفة الرجل أهله وغشيانها.

وقوله عز وجل: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، أي: نساؤكم ستر لكم وأنتم ستر لهن، وهذا كناية عن صعوبة الصبر عنهن مع شدة مخالطتهن؛ بما جبل الله عليه الرجل مع المرأة من الغريزة الجنسية، حيث يصير كل واحد منهما بالنسبة للآخر لباسًا له لاعتناقها واشتمال كل منها على صاحبه كما يشتمل الثوب على لابسه، قال النابغة الجعدي:

إذا ما الضجيج ثنى عِطْفها ** تداعتْ فكانت عليه لباسا

واللباس قد يطلق بمعنى السكن كما قال عز وجل: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]،

على حد قوله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرً} [يونس: 67]، وكما قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]، وكما قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

وقوله عز وجل: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا}، أي: علم الله عز وجل ما كان يحدث بالليل بينكم وبين نسائکم من تزيين أنفسكم لكم حبّ وقاع نسائکم، کما أُثر أن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- جاء إلى بيته قبل العشاء فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت، فظن أنها تعتل وواقعها، وقد تفضل الله تبارك وتعالى فسجل في كتابه الكريم توبته عليهم، وعفوه عنهم، ورب ضارة نافعة.

وقوله عز وجل: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، أي: فقد أبحت لكم قربان نسائكم الآن فباشروهن متی شئتم من ليلة الصيام، وأصل المباشرة إلزاق البشرة بالبشرة؛ أي: الجلد بالجلد، وهو كناية عن مقارفة الرجل حليلته. ومعنى قوله عز وجل: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، أي: ولتكن رغبتكم طلب الأولاد، قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "وقوله: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، قال أبو هريرة، وابن عباس وأنس، وشريح القاضي، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والربيع بن أنس، والسدي، وزيد بن أسلم، والحكم بن عتبة ومقاتل بن حيان، والحسن البصري، والضحاك، وقتادة، وغيرهم: يعني الولد"([39]).

وقوله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، أي: وقد أبحت لكم سائر المفطرات، فمتى أردتم الأكل أو الشرب في أية ساعة من ليلة الصيام فكلوا واشربوا إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فأمسكوا عن سائر المفطرات إلى غروب الشمس.

قال البخاري في صحيحه في كتاب الصوم([40]): باب قول الله تعالى: {ووَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فيه البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ساق بسنده إلى عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187]، عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار»([41]).

ثم ساق البخاري -رحمه الله- بسنده إلى سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، من الخيط الأسود} [البقرة: 187] ولم ينزل {من الفجر} [البقرة: 187]، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر} [البقرة: 187] فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار"([42]).

وقوله عز وجل: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، أي: ولا تقربوا نساءكم وقت اعتکافكم وإقامتكم في المساجد، والاعتكاف في اللغة: الملازمة، وفي الشرع: الإقامة في المسجد وقتًا مخصوصًا التماسًا لمرضاة الله عز وجل. وقد استنبط العلماء من ذكر الاعتكاف في آخر أحكام الصيام في القرآن الكريم، ومن اعتکاف رسول الله ﷺ في العشر الأواخر من رمضان؛ أنهم يذكرون أحكام الاعتكاف بعد أحكام الصيام في كتبهم.

وقوله عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}، أي: الأحكام التي فصّلتُها لكم عن الصيام هي مراسيم وضعها الله عز وجل لخير دنیاکم وأخراكم، وقد بينت لكم ماحرمته عليكم في وقت الصيام؛ فلا تنتهكوها ولا تبدّلوا أو تحرفوا منها شيئًا وحافظوا عليها.

وقوله: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، أي: كما بين الله هذه الحدود يبين جميع ما يحتاجه الناس ليفوزوا بتقوى الله لينالوا عز الدنيا وسعادة الآخرة حيث يسلكون الصراط المستقيم والمنهج القويم([43]).

 

[1]-  برقم (8).

[2]-  برقم (50).

[3]-  برقم (9-10).

[4]-  برقم (8).

[5]-  برقم (16).

[6] - أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) من حديث أنس.

[7] - أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151) من حديث أبي هريرة.

[8] - أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400) من حديث ابن مسعود.

[9] - أخرجه البخاري (2004)، ومسلم (1130).

[10] - برقم (1128).

[11] - (3/34) وما بعدها.

[12] - برقم (1145).

[13] - تهذيب التفسير وتجريد التأويل 1/402-407.

[14]- صحيح البخاري (8/179) "فتح"

[15]-  مسند أبي يعلى (7/204) وقال الهيثمي في المجمع (3/164) : "رجاله رجال الصحيح" لكنه منقطع.

[16]-  جامع البيان 3/188.

[17]-  برقم (4406).

[18]-  برقم (1679).

[19]-  الجامع لأحكام القرآن 1/60.

[20]-  المصدر السابق، نفس الصفحة.

[21]-  المصدر السابق، نفس الصفحة.

[22]-  الجامع لأحكام القرآن 20/130.

[23]-  برقم (6).

[24]-  برقم (2308).

[25]-  برقم (842).

[26]-  برقم (583).

[27]-  تهذيب التفسير وتجريد التأويل، عبد القادر شيبة الحمد 2/408-414.

[28]-  مسند الطيالسي برقم (2262).

[29]-  سنن ابن ماجة برقم (1753) وقال البوصيري في الزوائد (2/38) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات" وحسنه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار".

[30]- المسند (2/445) وسنن الترمذي برقم (3598) وسنن ابن ماجة برقم (1752).

[31]- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير 1/509.

[32]- البخاري (4205)، ومسلم (2704).

[33]- البخاري (4205)، ومسلم (2704).

[34]- رقم (2679).

[35]- رقم (7405).

[36]- رقم (2675).

[37]- 3/28.

[38]- رقم 4508.

[39]- تفسير ابن كثير 1/512.

[40]- 3/28.

[41]- رواه البخاري (1916)، ومسلم (1090).

[42]- رواه البخاري (1917)، ومسلم (1091).

[43]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل 1/415-421.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق