الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

2020-06-28
قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

قال الفخر الرازي -رحمه الله-: "اعلم أنه تعالى في الآيات المتقدمة عاب أهل الكتاب على شيئين أحدهما: أنه عابهم على الكفر، فقال: {يا أهل الكتاب لم تكفرون} [آل عمران: 70] ثم بعد ذلك عابهم على سعيهم في إلقاء الغير في الكفر، فقال: {يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله} [آل عمران: 99]، فلما انتقل منه إلى مخاطبة المؤمنين أمرهم أولا بالتقوى والإيمان، فقال: {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا} [آل عمران: 102، 103] ثم أمرهم بالسعي في إلقاء الغير في الإيمان والطاعة، فقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، وهذا هو الترتيب الحسن الموافق للعقل"([1]).

وقوله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، أي: ولتوجد منكم جماعةٌ قائدة رائدة داعية إلى الخير وآمرة بالمعروف وناهية عن المنكر.

و(من) في قوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ}، يحتمل أن تكون تبعيضية، وذلك لأن هذه المهمة الشريفة الجليلة لا يقدر عل القيام بها إلا أهل العلم والمعرفة والنفوس العالية، وليس كل الناس قادرين على ذلك، بدليل قوله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، ويحتمل أن تكون (من) لبيان الجنس، أي كونوا أمة داعية إلى الخبر وآمرة بالمعروف وناهية عن المنكر.

وعلى كل حال؛ فإنّ توجيه الخطاب إلى الكل مع إسناد الدعوة إلى البعض؛ لتحقيق معنى فرضيتها على الكفاية، وأنها متحتمة على الجميع إلا أنه إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ولو أخلّ بها الكل أثموا جميعًا كسائر فروض الكفاية.

ولا شك أن قوله عزوجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]،  يشعر بحتمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على جميع أفراد المكلفين من الأمة بحسب معارفهم وقدراتهم على تغيير المنكر والأمر بالمعروف وإدراكهم لجدوى ما يقدمون عليه، فقد روى مسلم في صحيحه([2]) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».

 هذا ولا بد في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون: عالمًا بما یأمر به أو ينهي عنه ومرتبته من الدين؛ حتى لا يأمر بمنكر أو ينهى عن معروف، أو يغلّظ في مقام اللين أو ينكر على من لا يزيده الإنكار إلا التمادي والإصرار، أو ينكر على رجل رفيع القدر أمام قومه مما يعتبر فضيحةً لا نصيحة.

والمراد بالخير في قوله عز وجل: {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} هو الإسلام وشرائعه التي شرعها الله عز وجل لعباده، وجميع ما يجلب للناس المنافع، ويدفع عنهم الأذى والضرر في معاشهم ومعادهم، وسائر أبواب الخير التي تُدخل على الناس المسرة، وتحميهم من المضرة، كإفشاء السلام وإطعام

الطعام وصلة الأرحام، وإقامة المساجد والمدارس والمستشفيات ونشر العلوم النافعة، کما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].

وقد رسم الإسلام للدعاة إلى الخير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أحسن المناهج وأجمل الوسائل حيث يقول عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

وقد وضع القرآن الكريم في هاتين الآيتين الكريمتين للدعاة إلى الله قاعدة تحتها ثلاثة أبواب، فالقاعدة: أن يكون الداعي إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على بصيرة، وهي أن يعرف الداعي الطريق الذي يدعو به إلى الله عز وجل، والبصيرة تقتضي أن يكون الداعي على هدى ونور وبينة ووضوح ومعرفة بقواعد الإسلام وشرائع الدين، وأن يعرف أن ما ينكره هو منکر حذرت منه شريعة الإسلام، وأن ما يأمر به هو معروف حضت عليه أوامر الله أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.

وتقتضي البصيرة في الداعية أيضًا: أن يعرف درجات المنكر ويعرف صغائر السيئات وكبائر الذنوب؛ حتى يكون أسلوبه في تغيير كل منكر بحسب درجة هذا المنكر، فليس النهي عن كشف الرجل فخذه يعادل النهي عن كشف الرجل إحدى سوأتيه، وليس النهي عن شيء مكروه كراهة تنزيه كالنهي عن الشيء المكروه كراهة تحريم أو المحرم.

أما الأبواب الثلاثة التي تقع تحت هذه القاعدة التي رسمها الله عز وجل في كتابه الكريم للدعاة، فالباب الأول: أن تكون الدعوة بالحكمة، والباب الثاني أن تكون بالموعظة الحسنة، والباب الثالث: أن يكون الجدال في موطن الجدال بالتي هي أحسن. وهذه القاعدة وأبوابها الثلاثة هي التي سلكها جميع الأنبياء والمرسلين في الدعوة إلى الله عز وجل، وهي تقتضي أن يكون الداعي كالطبيب الحاذق الماهر، الذي يعطي المريض الدواء بقدر حاجته، وفي الوقت المناسب له.

وقد أشاد الله تبارك وتعالى بدعاة الخير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وجعل ذلك من أبرز سمات الإيمان حيث يقول عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، وكما قال عز وجل: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، وقال عز وجل: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112].

وقوله عز وجل: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، أي: وهؤلاء الداعون إلى الخير والآمرون بالمعروف

والناهون عن المنكر هم الفائزون الناجحون الناجون في الدنيا والآخرة، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ينجيهم الله عز وجل إذا أنزل بأسه بأهل المنكر الذين نصحهم هؤلاء فلم ينتصحوا، وزجروهم فلم ينزجروا، حيث يقول عز وجل: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164] ([3]).

 

 

[1]- تفسير الرازي 8/314.

[2]- برقم (49).

[3]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل، عبد القادر شيبة الحمد 3/27-30.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق