الملائكة في القرآن والسنة

2020-06-28
والملائكة هم رسل الله بينه وبين أنبيائه وعباده، وفي الاصطلاح: هم أجسام نورانية لطيفة لها قدرة على التشكل بالأشكال الجميلة، أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، شأنهم الطاعة ومسكنهم السموات، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

الملائكة: جمع ملك، ومعناه في اللغة: مأخوذ من الملأك، وهي الرسالة، تقول العرب: أَلِكْنِي إليه؛ أي: أرسلني إليه، قال عدي بن زيد العبادي:

أبلغ النعيان عني ملأكًا     أنه قد طال حبسي وانتظار

والملائكة هم رسل الله بينه وبين أنبيائه وعباده، وفي الاصطلاح: هم أجسام نورانية لطيفة لها قدرة على التشكل بالأشكال الجميلة، أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء، شأنهم الطاعة ومسكنهم السموات، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.  

منهم جبريل الذي رآه رسول الله ﷺ على صورته الحقيقية جالسًا على كرسي بين السماء والأرض، له ستمائة جناح؛ فقد روى البخاري([1]) ومسلم([2]) في صحيحيهما من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ رأی جبریل له ستمائة جناح، كما روى البخاري([3]) ومسلم([4]) في صحيحيهما واللفظ لمسلم من طريق مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 8-10]، قالت: "إنما ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسدّ أُفق السماء".  

وقد ذكر الله تبارك وتعالى خلقه للملائكة في مطلع سورة فاطر؛ حيث حمد نفسه على هذه النعمة العظيمة؛ حيث قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1].  

والإقرار بالملائكة ركن من أركان الإيمان، كما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري([5]) أن النبي ﷺ كان بارزًا يومًا للناس، فأتاه رجل فقال: ما الإيمان؟ قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالبعث الحديث»، وفي آخره: ثم أدبر فقال: ردوه؛ فلم يروا شيئا، فقال: «هذا جبریل جاء يعلم الناس دينهم». 

وقد رواه مسلم([6]) من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ ذات يوم؛ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره». قال: صدقت، الحديث. وفي آخره قال: ثم انطلق؛ فلبثت مليًا، ثم قال لي: «يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم».

وقد بين الكتاب والسنة كثيرًا من أعمال الملائكة ووظائفهم، کما بین رسول الله ﷺ أصل خلقهم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله ﷺ الحصان الرزان أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: «خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وُصف لكم».

وقد جعل تبارك وتعالى الملائكة رسلًا، وجعلهم حفظة لعباده؛ حيث يقول عز وجل: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]، أي: يحرسونه ويصونونه؛ بسبب أمر الله لهم بذلك.

ومن وظائف الملائكة: قبض أرواح الناس، فملائكة الرحمة يقبضون أرواح المؤمنين، وملائكة العذاب يقبضون أرواح الكافرين، وفي ذلك يقول الله عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11]، ويقول جل من قائل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61]،  وكما قال عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [الأنفال: 50].

 ومن وظائف الملائكة: كتابة أعمال الناس، ملك عن اليمين وملك عن الشمال، کما قال عز وجل: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:17-18]، وكما قال عز وجل: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 10-12].

وقد وصفهم الله عز وجل بصفات تشير إلى أعمالهم؛ حيث يقول: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1]، وكما قال: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات 165-166]، وقال في وصف ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، الموكلين بقبض الأرواح: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا} [النازعات: 1-2].

وقد ذكر رسول الله ﷺ أن لله ملائكة يسيحون في الطرقات، يلتمسون مجالس الذكر؛ فإذا رأوا مجلسًا من مجالس الذكر تنادوا: هلموا إلى حاجتكم؛ فيحفونهم بأجنحة الرحمة إلى السماء الدنيا، في وظائف كثيرة.

وقد سمى الله عز وجل من الملائكة جبريل وميكائيل، ووصف الله عز وجل جبريل بأنه شديد القوى؛ حيث يقول عز وجل: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم: 5-6]، وقال عز وجل فيه أيضا: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19-21]، وسماه الله عز وجل الروح الأمين، کما سماه روح القدس؛ حيث يقول عز وجل: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192-194]، ويقول عز وجل: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102]، وقال في حق عیسی -علیه السلام-: {إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [المائدة: 110]، حيث كان جبريل عليه السلام- هو رسول الله إلى جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

وقد بين الله عز وجل أن الملائكة جنود الله، وأنه لا يعلم عددهم وكيفياتهم إلا الله عز وجل، حيث يقول: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]، )[7]).

 

 

[1]- رقم (3232).

[2]- رقم (174).

[3]- رقم (3235).

[4]- رقم (177).

[5]- رقم (50)، ومسلم (9).

[6]- رقم (8).

[7]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل، الشيخ عبد القادر شيبة الحمد 1/85-88.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق