ثمرات الإيمان والتقوى

2020-06-28
بعد أن وصف الله تبارك وتعالى اليهود بقبائح الصفات التي يتصفون بها، مما يقتضي أنهم يستحقون كل أنواع الذم، وما بينه عز وجل من تهجين طريقتهم الداعية إلى تنفير كل ذي عقل من ولايتهم؛ بين في هذا المقام أنهم لو تابوا إلى الله لتاب الله عليهم؛ لأنه عز وجل جواد کریم واسع المغفرة، وأن الإيمان يجبُّ ما كان قبله، فلو آمن أهل الكتاب وخافوا ربهم لجمع لهم سعادتي الدنيا والآخرة، فكفّر عنهم سيئاتهم التي اقترفوا ولو كانت مثل زبد البحر وأسكنهم جنات النعيم، كما أنه عز وجل يفيض عليهم من برکات السماء والأرض حتى يأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وفي هذا لفت انتباه للدعاة إلى الله عز وجل ألا تحملهم معاصي الناس وعظائم جرائمهم على ترك دعوتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وقد سلك الله عز وجل في دعوتهم إليه طريق الترهيب والترغيب ليتأسى بذلك الدعاة إلى الله.

قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65-66].

بعد أن وصف الله تبارك وتعالى اليهود بقبائح الصفات التي يتصفون بها، مما يقتضي أنهم يستحقون كل أنواع الذم، وما بينه عز وجل من تهجين طريقتهم الداعية إلى تنفير كل ذي عقل من ولايتهم؛ بين في هذا المقام أنهم لو تابوا إلى الله لتاب الله عليهم؛ لأنه عز وجل جواد کریم واسع المغفرة، وأن الإيمان يجبُّ ما كان قبله، فلو آمن أهل الكتاب وخافوا ربهم لجمع لهم سعادتي الدنيا والآخرة، فكفّر عنهم سيئاتهم التي اقترفوا ولو كانت مثل زبد البحر وأسكنهم جنات النعيم، كما أنه عز وجل يفيض عليهم من برکات السماء والأرض حتى يأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وفي هذا لفت انتباه للدعاة إلى الله عز وجل ألا تحملهم معاصي الناس وعظائم جرائمهم على ترك دعوتهم، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وقد سلك الله عز وجل في دعوتهم إليه طريق الترهيب والترغيب ليتأسى بذلك الدعاة إلى الله.

وقوله تبارك وتعالى:  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}، لحثِّ أهل الكتاب على الإيمان والتقوى وإقامة شرع الله بوعدهم بسعادة الدارين، وزجرهم عن الإخلال بذلك؛ لأن الإخلال بذلك يفضي إلى حرمانهم من نعيم العاجلة والآجلة، وفي ذلك تنبيه على أن ما يصيبهم من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم ومعاصيهم لا لقصور في فيض الكريم الجواد الذي لا تنفد خزائنه، إذ يداه مبسوطتان سحّاء الليل والنهار، ينفق كيف يشاء.

والمراد بالكتاب في هذا المقام: هو الجنس المنتظم للتوراة والإنجيل، قال أبو السعود العمادي: "وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيداً للتشنيع؛ فإنّ أهليةَ الكتاب توجب إيمانهم به، وإقامتَهم له لا محالة، فكفرُهم به، وعدمُ إقامتهم له، وهم أهله؛ أقبحُ من كُلِّ قبيحٍ، وأشنعُ من كل شنيع"([1]).

والترغيب في الإيمان والتقوى بالوعد على ذلك بسعادة الدارين؛ هو منهج رشيد في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو الوعد الحق، الملائم لسنن الفطرة، الصالح لجميع أهل الأعصار وسائر الأمصار، لا يشذ عن ذلك إلا شاذ مختل الفكر والفطرة.

وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير موضع من كتابه الكريم أن الإيمان والتقوى والاستقامة على الطريقة الشرعية يحلب رغد العيش والأمن والاستقرار في الدنيا ويؤول بصاحبه إلى جنات الفردوس في الدار الآخرة، حيث يقول عز وجل هنا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}، وقال تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وقال عز وجل: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16].

 وقوله عز وجل: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}، هو كناية عن كثرة الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت لهم من الأرض، والذي يأتيهم من كل مكان حتى يصير عيشهم رغدا، وحياتهم هنيئة طيبة، كما قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، وقال عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112].

وقوله عز وجل: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ}، أي: من أهل الكتاب جماعة مقتصدة أي سالكة سواء السبيل، ملتزمة بالحق، مؤمنة بما أنزل الله من كتاب، مبتعدة عن منهج الغلو والإفراط كما أنها مبتعدة عن منهج التفريط والتقصير، فلا تقول على الله إلا الحق، ولا تفرّق بين الله ورسله، ولا تؤمن ببعض كتب الله وتكفر ببعضها، وعلى رأس هؤلاء الصالحين: عبد الله سلام رضي الله عنه.

وقوله عز وجل: {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}، أي: وكثير من أهل الكتاب سيئة أعمالهم، قبيح سلوكهم، فهم إما غالون مفرطون كمن يدعي أن العُزير ابن الله، ومن يدعي أن المسيح ابن الله، وإما مقصرون مفرِّطون كمن يدعي أن المسيح لغير رِشْدَةٍ، ويقول على مریم بهتانًا عظيمًا([2]).

 

 

[1]- إرشاد العقل السليم = تفسير أبي السعود 3/59.

[2]- تهذيب التفسير وتجريد التأويل 4/214-216.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق