المدح في الجملة لا يقتضي كون كل واحد من أفراد هذه الجملة ممدوحاً

يقول تبارك وتعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}.

ولا شك أن الذين استجابوا للإسلام من النصارى كانوا أكثر من اليهود والمشركين بكثير، وليس هذا مدحاً للذين قالوا: إنا نصارى من حيث كونهم نصارى وهو يقولون: إن الله هو المسيح ابن مريم وما داموا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، والمعلوم أن الدح في الجملة لا يقتضي كون كل واحد من أفراد هذه الجملة ممدوحاً، بل إنما ينصرف المدح لمن يستحقه منهم، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك حيث يقول في بيان سبب كون النصارى أقرب مودة للذين آمنوا: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة: 82-83-84].

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: 4/239