أدلة نفاة القياس والرد عليها
وقد استدل نفاة القياس بما يلي: استدلوا بقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}، فهما يدلان على بطلان القياس؛ لأن إثبات القياس في الدين يؤدي إلى أن في الكتاب تفريطاً، وأنه ليس تبياناً لكل شيء.
وكذلك قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ}، والحكم بالقياس حكم بغير ما أنزل الله.
وكذلك قوله تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، فإن القياس رد إلى الرأي، لا إلى الله والرسول.
كما نقل عن الصحابة أنهم كانوا يذمون الرأي وأهله، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "وإياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن"، وقال علي رضي الله عنه: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من بالمسح من أعلاه"، وقال ابن عباس رضي الله عنه: "إن الله لم يجعل لأحد أن يحكم برأيه، وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}، ولم يقل لتحكم بما رأيت".
كما أن القياس ظني، فكيف يرفع البراءة الأصلية وهي قطعية، ولأن الشرع قد يفرق بين المتماثلين ويجمع بين المتفرقين، فقد أمر بغسل بول الجارية، ونضح بول الغلام، وأوجب الغسل من المني والحيض دون المذي والبول. وقالوا: إن النص على العلة لا يوجب الإلحاق كما لو قال: أعتقت من عبيدي سالماً؛ لأنه أسود، فإن ذلك لا يقضي عتق كل أسود من عبيده، فكيف إذا لم ينص على العلة؟
وكل هذه الاستدلالات لا دليل لهم فيها؛ لأن العمل بالقياس الذي توافرت شروطه يكون عملاً بالكتاب، إذ القرآن قد دل على القياس، وأتى بالقواعد على سبيل الإجمال.
ومثله ما روى البخاري ومسلم أن امرأة قالت لابن مسعود رضي الله عنه: أراك تلعن كيت وكيت، وقد قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد ذلك فيه. قال: لو كنت قرأته لوجدته. قالت: وأين أجده؟ قال: في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. فإنه ليس في كتاب الله النص على لعن النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة، والمتفلجات للحسن، والمغيرات خلق الله، وإنما هذا النهي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ذم الصحابة للرأي وأهله فإن المقصود ما كان في مصادمة النص، وما كان رأياً فاسداً تابعاً للهوى؛ لأنه قد ثبت عنهم -رضي الله عنهم- العمل بالقياس.
وظنية القياس لا تدل على بطلانه، فإن الظاهر والعام وخبر الواحد وشهدة الشاهدين أو الشهود ولو كانوا أربعة، كلها ظنية، وظنيتها لم توجب ردها وبطلانها.
وعدم عتق كل أسود من عبيد من قال: أعتقت من عبيدي سالماً؛ لأنه أسود إنما لم يعتق إلا هذا العبد الذي نص عليه؛ لأن أحكام الأملاك حصولاً وزوالاً بالألفاظ دون الإرادات المجردة بخلاف أحكام الشرع، فإنها تثبت بكل ما دل على الرضا الشرع، وإرادته من قرينة ودلالة وإن لم يكن لفظاً، بدليل أنه لو بيع مال لتاجر بمشهد منه بأضعاف ثمنه فاستبشر، وأظهر أثر الفرح عليه لم ينفذ البيع إلا بإذنه ولفظه.
ولو جرى بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل فسكت عنه؛ دل سكوته على رضاه وإقراره وثبوت الحكم به.
وقد قدمنا ما تواتر نقله معنوياً عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عملهم بالقياس وحكمهم به.
إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه، ص59-63
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق