معنى المحكم والمتشابه في كلام الله

2020-06-17
معنى المحكم والمتشابه في كلام الله
الفائدة السادسة عشر من فوائد من كتاب إمتاع العقول بروضة الأصول لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول معنى المحكم والمتشابه في كلام الله.

ويوصف القرآن بأن بعضه محكم وبعضه متشابه، ومنه: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، وقد اختلف العلماء في معنى المحكم والمتشابه في هذا على أقوال:

الأول: المحكم المفسر، والمتشابه المجمل، وهذا القول للقاضي أبي يعلى.

الثاني: المحكم المتضح المعنى، والمتشابه هو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين، كالآيات التي ظاهرها التعارض، وهذا قول أبي الوفاء بن عقيل.

الثالث: المتشابه الحروف المفرقة في أوائل السور، والمحكم ما سواه.

الرابع: المتشابه هو الذي استأثر الله بعلم معناه، وهذا مذهب جماهير المتأخرين.

والمختار: أن المحكم هو المتضح المعنى المقرر لأصول الدين وقواعده، وأن المتشابه هو المحتمل لمعنيين أحدهما صحيح يوافق المحكم، والثاني فاسد يناقضه.

فأما الذين في قلوبهم زيغ فيحملونه على المعنى الفاسد لقصد خبيث، وأما الراسخون في العلم فيحملونه على المعنى الصحيح الموافق للمحكم ويردون متشابهه إلى محكمه، مثل قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}، مع قوله سبحانه: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}.

فالراسخون في العلم يفسرون "بعد ذلك" بمعنى "مع ذلك"؛ لأنها تستعمل في الكلام الفصيح بهذا المعنى، ومنه قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}، فسيندفع التعارض.

وسبب نزول قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}، يشهد لهذا، فإنها نزلت في وفد نصارى نجران لما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب منهم الإسلام فامتنعوا وقالوا: أسلمنا قبلك، قال: (يمنعكم من الإسلام اتخاذكم لله ولدا)، فقالوا: ألست تقرأ فيما أنزل إليك: {وَرُوحٌ مِنْهُ}، وقوله: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}، قال: بلى، فقالوا: حسبنا، أي: يكفينا هذا في الدلالة على أنه ابن الله.

وذلك أن لفظة "من" تحتمل التبعيض، وتحتمل ابتداء الغاية، فحملها على ابتداء الغاية يوافق المحكم من الكتاب، وهو أن عيسى عبد الله كما قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}، وهذا عمل الراسخون في العلم.

وحملها نصارى نجران على التبعيض ابتغاء الفتنة والفساد، وهذا عمل أهل الزيغ.

وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه.

وإلى هذا ذهب مجاهد والربيع بن أنس وهو يروي عن ابن عباس رضي الله عنها.

إمتاع العقول بروضة الأصول: ص22-23

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق