حقيقة الحكم التكليفي وأقسامه - "الواجب"

2020-06-27

حقيقة الحكم وأقسامه.

ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: تكليفي ووضعي.

  • الحكم التكليفي:

تعريف الحكم التكليفي: هو خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير.

أقسام الحكم التكليفي:

ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام وهي: الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح.

ووجه الحصر في هذه الأقسام أن كلمة "اقتضاء" معناها الطلب. فإن كان الطلب للفعل جازماً فهو الواجب، وإن كان غير جازم فهو الندب، وإن كان الطلب للترك جازماً فهو الحرام، وإن كان غير جازم فهو المكروه، وإن كان الخطاب للتخيير فهو المباح.

أولاً: الواجب.

تعريفه: هو لغة اللازم كما يطلق على الساقط، وفي الاصطلاح: هو ما توعد بالعقاب على تركه. وقيل: هو ما يذم تاركه شرعاً، وهذا هو المختار لسلامته من الاعتراض.

ومثال الواجب: الصلوات الخمس، وصوم رمضان.

هل من فرق بن الفرض والواجب؟

اختلف العلماء في هذا، فذهب الشافعي –وأحمد في إحدى الروايتين- إلى أنه لا فرق بين الفرض والواجب لأن تعريفها واحد.

وذهب أبو حنيفة –وأحمد في الرواية الأخرى- إلى أنهما مفترقان وأن الفرض آكد من الواجب. وعرف على هذا الفرض بأنه ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، وأن الواجب ما ثبت بدليل ظني فيه شبهة.

وهذا هو المختار لأن معنى الفرض في اللغة أقوى من معنى الواجب، إذا الفرض الحز والقطع، والوجوب السقوط، وقد انعقد الاجماع على انقسام الدليل إلى مقطوع ومظنون، يعني فالذي يفيده القطعي يسمى فرضاَ، والذي يفيده الظني يسمى واجباً.

ومثال الأول الصلوات الخمس، ومثال الثاني الوتر.

الواجب المخير والمعين: ينقسم الواجب إلى معين ومخير.

  1. تعريف الواجب المعين:

هو الذي ورد الأمر بالجازم فيه بطلب واحد بخصوصه مثل: أن ينذر التصدق بهذا الحائط ونحو: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

  1. تعريف الواجب المخير:

هو الذي ورد الأمر بالجازم فيه بطلب واحد مبهم من أشياء مثل خصال كفارة اليمين.

وقد أنكرت المعتزلة الواجب المخير محتجين بأن الواجب يناقض التخيير، وقد استدل أهل السنة والجماعة لإثباته بالعقل والشرع.

أما العقل فلأن الغرض قد يتعلق بواحد مبهم من أشياء ويكون التعيين فضلة فلا يطلب التعيين، كأن تأمر خادمك بأن ينادي زيداً أو عمراً أو بكراً لسقي القهوة، فإن الغرض في هذه الصورة يحصل بأي واحد منهم، ويكون تعيين الشخص غير مقصود، لأنه زائد على الغرض.

وأما الشرع فخصال كفارة اليمين، وتزويج المرأة المطالبة للنكاح من أحد الكفئين الخاطبين لها.

وقد اعترض المعتزلة بأن هذه الخصال إن كانت متساوية في صلاح العبد وجب على الله أن يوجب جميعها، وإن تفاوتت وجب على الله أن يوجب الأصلح منها فيكون معيناً.

والجواب: أنا هذا مبني على أصل فاسد، وهو وجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى، والله تعالى لا يجب عليه شيء ولا يسأل عما يفعل.

الواجب المضيق والموسع: وينقسم الواجب أيضاً إلى مضيق وموسع.

تعريف الواجب المضيق:

هو ما كان الزمن الموضوع لأداء الواجب فيه أكثر من زمن فعله كالصلاة.

وقد أنكر أكثر الحنفية الواجب الموسع محتجين بأن التوسيع يناقض الوجوب، وقد استدل الجمهور لإثبات الواجب الموسع بالعقل والشرع.

أما العقل: فلو قال السيد لعبده: آمرك ببناء هذا الحائط في هذا اليوم متى شئت، ففي أي ساعة قمت بالواجب وإن تركت عاقبتك، كان كلاماً معقولاً.

وأما الشرع: فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعلم الأعرابي أوقات الصلاة صلى في أول الوقت في يوم، وصلى في آخره في اليوم الثاني، وقال: (الوقت ما بين هذين)، فقد جعل الشرع أول الوقت وآخره وقتاً للواجب. فقصر الوجوب على آخره تحكم على النص.

فإن قيل: الصلاة في أول الوقت يجوز تركها، وما جاز تركه يكون مندوباً وليس بواجب؟ فالجواب: أنه لا يجوز الترك في أول الوقت إلا بشرط العزم على الفعل، وما جاز تركه بشرط فليس بمندوب؛ لأن المندوب يجوز تركه مطلقاً.

فإن قيل: لم يرد في النص اشتراط العزم فإيجابه زيادة؟ فالجواب: أنه وإن لم يرد في النص، لكنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به.

ما لا يتم الواجب إلا به:

ما لا يتم الواجب إلا به ينقسم إلى قسمين:

الأول: ما ليس في مقدرو المكلف ولا يتعلق باختياره كاليد في الكتابة وحضور العدد والإمام في الجمعة فهذا ليس بواجب.

والثاني: ما يتعلق باختيار المكلف مثل الطهارة في الصلاة، وإمساك جزء من الليل في الصوم فهذا واجب لأنه وسيلة لا يتم الواجب الأصلي بدونها.

والفرق بين الواجب الأصلي والوسيلة: أن الواجب الأصلي وجوبه مقصود لذاته، أما الوسيلة فوجوبها ليس مقصوداً لذاته بل بواسطة وجوب الواجب الأصلي.

فإن قيل: لو كانت الوسيلة واجبة لأثيب على فعها وعوقب على تركها مع أن تارك صوم النهار لا يعاقب على الجزء الذي تركه من صوم الليل.

فالجواب: أنه يثاب على فعل الوسيلة؛ لأنها زيادة عمل صالح بدليل أن ثواب البعيد في الحج أفضل من ثواب القريب.

وأما العقاب فهو لا يتوزع على أجزاء الفعل، بل يعاقب على الأصل فقط([1]).

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]- روضة الأصول ص5-8.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق