الحكم التكليفي "المندوب، المباح، المكروه"

2020-06-27

ثانياً: المندوب.

المندوب مأخوذ من الندب. والندب في اللغة الدعاء إلى الفعل.. وفي الاصطلاح: هو مطلوب لا يذم تاركه شرعاً. وقيل: هو ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه نحو تحية المسجد.

وقد ذهب الجمهور إلى أن المندوب مأمور به حقيقة.

وأنكر ذلك قوم فقالوا: الأمر خاص بالوجوب، واستدلوا بقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)، مع أنه ندبهم إليه، ولأن الأمر اقتضاء جازم لا تخيير معه، وفي الندب تخيير.

أما الجمهور: فقد استدلوا لمذهبهم بأن الأمر طلب والمندوب مطلوب، ولأن الله تعالى أمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربة، ومن ذلك ما هو مندوب.

وقد ردوا على المخالف بأن قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، وإن كان يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب، لكن لا مانع من أنه قد يصرف إلى المندوب بدليل.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لأمرتهم بالسواك) فالمراد به أمر الإيجاب، وأما كون الأمر لا يقتضي التخيير فخطأ؛ بدليل ثبوت الواجب المخير مع أنه لو سلمنا أن الواجب لا تخيير فيه فكذلك المندوب لا تخيير فيه ،لأن التخيير استواء الفعل والترك.

ثالثا: المباح

هو في اللغة: مأخوذ من الباحة وهي الساحة الواسعة.

وفي الاصطلاح: هو مأذون في فعله وتركه بلا مدح أو ذم لفاعه أو تاركه، نحو: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: 187].

والإباحة من الأحكام الشرعية. وقد أنكر بعض المعتزلة ذلك محتجين بأن معنى الإباحة نفي الحرج عن الفعل والترك، وهذا ثابت قبل ورود الشرع.

والجواب: أن الفعل المباح: إما أن يصرح الشرع بالتخيير فيه فهذا قد ورد فيه خطاب، والخطاب هو الحكم، وإما أن يدل الشرع على نفي الحرج عن فعله وتركه وهذا أيضاً حكم، وإما أن لا يتعرض له الشرع بدليل خاص وهذا إما أن يقال فيه: دل على إباحته عمومات شرعية كقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا...} [البقرة: 29]، فهو حكم.

وإما ان يقال في هذا: لا حكم له من حل أو حرمة أو غيرهما.

رابعاً: المكروه.

وهو في اللغة: ضد المحبوب. وفي الاصطلاح: ما يمدح تركه ولا يذم فاعله كالإسراف في الوضوء.

وأكثر إطلاقه على ما نهى عنه نهي تنزيه، وعلى مخالفة المندوب، وقد يطلق أحياناً ويراد به الحرام، كقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38]، والمكروه غير مأمور به لأن الأمر استدعاء وطلب، والمكروه غير مستدعي ولا مطلوب([1]).

 

 

[1]- روضة الأصول ص9-10.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق