أخبار الآحاد
أخبار الآحاد.
الأخبار جمع خبر، والآحاد جمع واحد، وخبر الواحد في اللغة: ما يلقيه الواحد.
وفي الاصطلاح: ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر.
فإن جاء من طريق واحد فهو الغريب، وإن جاء من طريقين فهو العزيز، وإن جاء من ثلاثة طرق فأكثر فهو المشهور.
أيفيد خبر الواحد العلم أم الظن؟
اختلف العلماء في ذلك:
فذهب الجمهور وأحمد في المشهور عنه إلى أن خبر الواحد يفيد الظن مطلقاً، واحتجوا بما يأتي:
أولاً: أننا لا نصدق كل خبر نسمعه.
ثانياً: وجود التعارض بين بعض أخبار الآحاد، ولو كانت تفيد العلم ما تعارضت كحديث غسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات. فقد جاء في لفظ: إحداهن، وفي لفظ: أولهن، وفي لفظ: أخرهن بالتراب.
ثالثاً: عدم جواز نسخ القرآن ومتواتر السنة به، ولو أفاد العلم لجاز ذلك لاستوائهما حينئذ في إفادة العلم.
وذهب بعض أهل الظاهر وجماعة من المحدثين إلى أنه يفيد العلم مطلقاً.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفيد العلم عند وجود القرائن ويفيد الظن عند عدمها.
والقرائن التي تجعله يفيد العلم كوجوده في الصحيحين أو كونه مسلسل الأئمة الحفاظ المتقنين.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يفيد العلم إن وردَ في الصفات كالرؤية والنزول والضحك، وإلا أفاد الظن.
وقد نُقل عن أحمد -رحمه الله- أنه لما سئل عن أخبار الرؤية أشار إلى أنها تفيد العلم.
الاحتجاج بخبر الواحد:
أنكر أكثر المعتزلة، والقاشاني، وابن داود بن علي من أهل الظاهر، والرافضة وجوب العمل بخبر الواحد؛ لأنه لا يفيد اليقين، والله يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، ويقول: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، ويقول: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81].
وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه حجة يجب العمل به لما يأتي:
- إجماع الصحابة والتابعين على وجوب العمل به، وقد اشتهر ذلك عنهم في وقائع لا تنحصر. منها: أن أبا بكر رضي الله عنه لما جاءته جدة تطلب ميراثها، قال: لا أجد لك شيئاً، ثم نشد الناس فأخبره المغيرة بن شعبة ثم محمد بن مسلمة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فعمل بخبرهما، وكذلك عمل به عمر بعده.
ومنها: أن عمر كان لا يرى توريث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان العامري الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فلما أخبره رجع إلى قومه.
ومنها: أن عثمان أخذ بخبر الفريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما لما أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسكنى لما مات زوجها ولم يترك لها مسكناً. إلى غير ذلك من قضايا الصحابة والتابعين. ولم يحدث اختلاف في وجوب العمل بخبر الواحد إلا من بعدهم.
- ما تواتر من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل والأمراء والقضاة وجباة الصدقات إلى أطراف دار المسلمين، ومن المعلوم أنه كان يجب قبول خبرهم مع أنهم آحاد.
- وجوب العمل بالظن في كثير من الأمور الشرعية كالحكم بالشهادة، والعمل بقول المفتي، وعند الاجتهاد في القبلة إذا اشتبهت جهتها في وقت الصلاة.
وأما قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169]، وقوله: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] فهي دليل على المخالفين لا لهم.
لأن إنكار خبر الواحد غير معلوم بخبر قاطع بل يجوز الخطأ فيه، فهو إذاً حكم بغير علم، ووجوب العمل بخبر الواحد معلوم بدليل قاطع وهو إجماع الصحابة على العمل به.
على أن المراد من الآيات منع الشاهد من الجزم بالشهادة دون أن يسمع أو يبصر، ولو دلت على رد خبر الواحد لدلت على رد شهادة الاثنين والأربعة والرجلين والمرأتين. فلما علم بالنص في القرآن وجوب الحكم بهذه الأمور مع احتمال الكذب علم كذلك وجوب العمل بخبر الواحد وإن احتمل الكذب([1]).
[1]- روضة الأصول ص 38-41.
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق