استصحاب العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي
استصحاب العدم الأصلي عند عدم الدليل الشرعي.
هذا هو الفصل الرابع من أصول الأحكام المتفق عليها، ويسميه بعض الأصوليين دليل العقل المبقي على النفي الأصلي، وإنما كان حجة لأن الأصل براءة الذمة حتى يرد دليل السمع.
ومثال ذلك: أن الدليل الشرعي لما دل على وجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان بقيت الذمة بريئة من لزوم صلاه سادسه و صوم شوال مثلاً، وليس ذلك لتصريح الشرع بنفيها في نفس النص إذ إن لفظه قاصر على إيجاب الخمس صلوات وصيام رمضان، وإنما لم تجب لأنه لا مثبت للوجوب فتبقى على البراءة الأصلية.
ولو كان هناك دليل على وجوب صلاة سادسة أو صيام شوال مثلاً لنقل وانتشر ولم يخف على جميع الأمة عقلا، وهذا علم من العقل بعدم الدليل.
وليس لأحد أن يقول: إن هذا من باب عدم العلم بالدليل، و عدم العلم بالدليل ليس بحجة على عدم الدليل؛ لأننا نقول: إن المجتهد إذا استفرغ وسعه في طلب الدليل فلم يجده كان دليلاً على عدم الدليل إذ إنه يكون بصيراً اجتهد في طلب متاع من بيت ليس فيه شيء يستر المتاع فإذا لم يجده جزمه بعدمه.
وكذلك الأخبار قد دونت والصحاح قد صنفت وصارت محصورة كمتاع البيت فإذا لم يجد فيها المجتهد الدليل حكم بعدم وجوده وقضى بالبراءة الأصلية.
لا يجوز استصحاب حال الإجماع في محل النزاع:
لو تيمم إنسان لفقد الماء وصلى ولم ير الماء فإجماع منعقد على صحة صلاته، أما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة فقد اختلف أهل العلم في صحة صلاته حينئذ.
فهل لمن قال بصحة صلاته أن يحتج باستصحاب ذلك ويقول: الإجماع منعقد على صحة صلاته في بدئها قبل رؤية الماء فنحن نستصحب ذلك الإجماع ونحكم بصحة صلاته مع رؤية الماء؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يجوز أن يحتج بذلك؛ لأن الإجماع إنما دل على صحة الصلاة حالة العدم، فأما مع وجود الماء فهو محل نزاع واختلاف، ولا إجماع مع الاختلاف.
وقال أبو إسحاق بن شاقلا: يجوز استصحاب الإجماع في محل النزاع بدعوى أن الحكم الثابت بالإجماع قبل الخلاف يجب بقاؤه حتى يأتي دليل شرعي يزيله.
والمختار الأول؛ لأن الإجماع تم في حالة معينة فلا يصح الاستدلال به عند تغيرها.
هل النافي للحكم يلزمه الدليل؟
لا خلاف في أن المثبت للحكم يطالب بالدليل، أما النافي للحكم فقد اختلف فيه.
فقال قوم: عليه الدليل، وقال قوم: لا يجب عليه الدليل، وقال قوم: يلزمه الدليل في الشرعيات دون العقليات.
وقد استدل الأولون بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111]، فقد طالبهم بالدليل وهم في موقف النافي.
وقد استدل أهل القول الثاني بأن الدليل على النفي متعذر كإقامة الدليل على براءة الذمة؛ ولأن من طولب بدين لا يجب عليه الدليل.
وقد استدل أهل القول الثالث بأن الشرعيات يمكن الاستدلال عليها بنص ونحوه بخلاف العقليات.
والأول هو المختار؛ لأنه يلزم على القول بعدم الدليل أن لا يجب دليل على نافي (.....) والنبوات وتحريم الزنا والميتة ونكاح المحارم.
وقولهم: (إن من طولب بدين لا يجب عليه الدليل) مردود، فإنه يطلب منه اليمين وهو دليل([1]).
[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول: ص64-66
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق