الأصول المختلف فيها - المصالح والاستصحاب
- المصالح
المصالح جمع مصلحة، وهي في اللغة: ضد المفسدة ويراد بها جلب المنفعة أو دفع المضرة وتنقسم في الاصطلاح إلى ثلاثة أقسام:
- ما يشهد الشرع على اعتبار کونه حكمة ينبني عليها الحكم كالإسكار، فقد فهم من الشرع بناء تحريم الخمر عليه لمصلحة حفظ العقل فيحرم كل مطعوم أو مشروب مسكر لنفس المعنى. وهذا القسم يحتج به جميع مثبتي القياس.
- ما يشهد الشرع ببطلانه وإلغائه وعدم اعتباره، ومثاله قول يحيى بن يحيى الليثي لبعض الملوك الأمويين في الأندلس لما جامع في نهار رمضان: إن عليك صوم شهرين متتابعين. فلما قيل له: لِمَ لَمْ تأمر الملك بإعتاق رقبة مع اتساع ماله. قال: لو أمرته بذلك لسهل عليه واستحقر إعتاق رقبة في جنب قضاء شهوته، فأرى أن المصلحة توجب الصوم عليه دون العتق لینزجر.
فهذه الفتوى باطلة؛ لأن المصلحة التي بنيت عليها ملغاة شرعا إذ قد علم من الشرع وجوب تقديم العتق على من قدر عليه.
ومثاله أيضا: ما لو قال قائل: تحرم زراعة العنب لمصلحة منع عصره واتخاذه خمراً، أو قال قائل: تحرم الشركة في سكن الدار خوفا من نوع الزنا. فهذه المصلحة ألغاها الشرع ولم يعتبرها.
- ما لم يشهد نص معين من الشرع باعتباره ولا بإلغائه. ويسمى هذا القسم المصلحة المرسلة أو الاستصلاح، وإنما كانت مرسلة؛ لأنها أطلقت فلم يرد في نصن الشرع اعتبارها ولا إلغاؤها ولكنها قد تفهم من تفاريق الشريعة.
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- ما كان في رتبة الضروريات وهو ما لا غنى للعباد عنه كحفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال. ومن ذلك إجبار الولي على إرضاع الصغير وتربيته وشراء مطعومه وملبوسه.
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة التي من هذا القسم: فذهب مالك وبعض الشافعية إلى أنها حجة وإن لم يعاضدها دليل معين؛ لأنها من مقاصد الشريعة. ونسب إلى الجمهور أنهم لا يحتجون بها؛ لأن ذلك يؤدي إلى وضع الشرع بالرأي، غير أن القرافي ذكر في التنقيح أن عامة العلماء يحتجون بالمصلحة المرسلة التي من هذا القسم. وهذا هو الأقرب وليس ذلك من وضع الشرع بالرأي، وإنما هو بناء الحكم على مقاصد الشريعة .
- ما كان في رتبة الحاجيات وهو ما يحتاج إليه ولم يصل إلى حد الضرورة كتمكين الأب من إجبار ابنته الصغيرة على النكاح حرصا على مصلحتها خوف فوات الكفء، فإن ذلك لا ضرورة فيه، لكنه محتاج إليه في تحصيل المصالح.
وقد نسب إلى مالك الاحتجاج بالمصلحة المرسلة التي من هذا القسم أيضا، وخالف في ذلك عامة أهل العلم فلم يجوزوا الاحتجاج بها؛ لأن ذلك يكون وضعا للشرع بالرأي إلا أن يعاضدها دليل من الشرع فيحتج بها حينئذ، إذ لو احتج بها من غير دلیل معاضد لأدى ذلك إلى تغيير الشرائع لاختلاف تقدير الناس للحاجات.
- ما كان في رتبة التحسينات والتتميمات وهو ما استحسن عادة، من غير احتياج إليه ولم تلجئ إليه الضرورة كرعاية أحسن المناهج في مكارم الأخلاق والمعاملات، ومن أمثلة ذلك تعليل اشتراط الولي في عقد النكاح بأنه لدفع شبهة توقان المرأة إلى الرجال إن تولت ذلك بنفسها، إذ ظهور توقانها غير لائق بالمروءة
وقد اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز الاحتجاج بالمصلحة المرسلة إن كانت من هذا القسم إلا إذا عاضدها دليل من الشرع، إذ لو احتج بها لأدى ذلك إلى تغيير الشرائع فإن ما يراه بعض الناس حسنا قد براء الآخرون قبيحا هذا، وإذا تساوت مصلحة الفعل ومفسدته رجح جانب المفسدة فيدرأ الفعل، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
5- استصحاب الحكم السابق
هذا هو الأصل الخامس من الأصول المختلف فيها. والمراد به: ثبوت الحكم في الزمن الثاني لثبوته في الزمن الأول، كاستصحاب حكم الطهارة وقت العصر مثلاً لثبوتها وقت الظهر ما دام المتطهر لم يعلم ناقضا، وكاستصحاب حكم النكاح حتى يثبت ما يرفعه من طلاق، وكاستصحاب الملك حتى يثبت ما برفعه من بيع ونحوه، وكاستصحاب حكم العام حتى يثبت المخصص، وكاستصحاب النص حتى يثبت النسخ.
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج به:
فذهب الجمهور إلى أنه حجة؛ لأن ثبوت الحكم في الزمن الأول من غير ظهور مزيل يجعل ظن بقائه راجحاً، والظن الراجح يُحتج به، فيكون استصحاب الحكم حجة.
وذهب الحنفية إلى أن استصحاب الحكم ليس بحجة؛ لأن الحكم كما يحتاج إلى دليل في الزمن الأول فلا بد لثبوته في الزمن الثاني من دليل كذلك.
والمختار الأول؛ لأن الحكم يثبت في الزمن الأول يقيناً، فلا يرتفع في الزمن الثاني إلا بيقين([1]).
[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول ص71-73.
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق