عناية الإسلام بالأسرة وحفظه لحقوق النساء

2020-06-16
عناية الإسلام بالأسرة وحفظه لحقوق النساء
الفائدة التاسعة والعشرون من فوائد من كتاب حقوق المرأة في الإسلام لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول عناية الإسلام بالأسرة وحفظه لحقوق النساء.

وسأقص عليك من نبأ الظهار ما تدرك منه مبلغ عناية الإسلام بالأسرة، وحفظه لحقوق النساء، ورفعه الظلم عنهن، ورحمته بهن.

تزوجت خولة بنت مالك بن ثعلبة الخزرجية وهي شابة من مقتبل العمر، ونضرة الشباب، صبيحة الوجه، طلقة المحيا، حسنة القوام بأوس بن الصامت، وعاشا معاً عمراً طويلاً، نعما فيه بحياة سعيدة، وعيشة رغيدة، ثم تقدمت بها السنون ومع ذلك كانت خولة تحتفظ ببقية من جمالها وروعتها.

دخل عليها زوجها ذات يوم وهي قائمة تصلي فرآها معتدلة القوام، جميلة الهندام، تقف في اعتدال، وتركع في خشوع، وتسجد في رفق وأناة؛ فتاقت نفسه لها، وانتظرها في لهفة وشوق حتى تسلِّم من صلاتها.

فلما سلَّمت أقبل إليها في طيش، وداعبها في خفة، فنفرت منه، فاستحوذ عليه الشيطان وثارت ثائرته، وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي.

وكان الظهار –كما علمت- طلاقاً في الجاهلية، بل من أشد أنواع الطلاق؛ لأنه في قطع صلة الزوجية أبعد، وفي التحريم أشد وأوكد. فحارت خولة في أمرها، وشق عليها أن تفارق والد بنيها ورفيق صباها.

فذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تبثه حزنها، وتخبره بأمرها، وتقص عليه من شأنها. قالت: يا رسول الله، إن أوسًا قد تزوجني وأنا شابة، فبعد أن كبرت سني، وكثر أولادي، جعلني عليه كظهر أمه، وإن لي منه صبية، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا.

فهل لي من مخرج يصلح ما فسد من الأمر، ويحفظ كيان الأسرة؟!

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، ولا يقضي برأي من نفسه؛ فمرجعه في كل شيء الوحي، وهو لم يتلق من قبل في هذه المسألة وحياً، ولم ينزل عليه قبل ذلك في شأنها قرآن.

فناداها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا خولة، ما عندي في أمرك شيء).

فاشتد حزنها، وازداد ألمها، وقالت: يا رسول الله، ما ذكر طلاقاً، وإنما هو أبو ولدي، وأحب الناس إليَّ، فناداها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا خولة، ما عندي في أمرك شيء).

فأخذت تشكو إلى الله، وتتضرع لرب السماء؛ عساه يفرج عنها كربتها، ويكشف غمتها –ويا حبذا من التجأت إليه- يا رب؛ أشكو إليك فاقتي وحزني؛  يا من تعلم بحالي وحال صغاري.

ثم تلتفت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول لها الصادق الأمين: (يا خولة ما عندي في أمرك شيء).

وكلما قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك جأرت إلى الله بالشكوى ولجأت إليه بالدعاء، وألحفت في الرجاء وهتفت من أعماقها: يا رب، إن لي من صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا.

وبينما هي في حيرتها واضطرابها، واستغاثتها وشكواها، تصوب بصرها إلى السماء مرة، وإلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة أخرى، إذ كان يتصبب منه العرق كقطع الفضة، ويثقل جسمه، فلما سُرِّي عنه نادى يا خولة، إن الله قد سمع محاورتك واستجاب لدعائك، وليس على زوجك إلا أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، وتلا عليها ما نزل من آي الذكر الحكيم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} إلى قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

فانفجرت أساريرها، واطمأن خاطرها، ثم قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليعتق زوجك رقبة)، قالت: لا يجد يا رسول الله، قال: (يصوم شهرين متتابعين)، قالت: يا رسول الله! ما به من صيام؛ لأنه شيخ كبير، قال: (فليطعم ستين مسكيناً)، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به.

وبينما هما كذلك إذا جيء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتمر، فقدمه إليها لتدفعه لزوجها ليطعم به ستين مسكيناً؛ فأطعم أوس المساكين، وعادت خولة إلى عشها الأمين.

حقوق المرأة في الإسلام: ص63-66

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق