الاستدلال بالفطرة والعقل على ثبوت القياس

2020-06-25
الاستدلال بالفطرة والعقل على ثبوت القياس
الفائدة السادسة عشر من كتاب إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه للشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول الاستدلال بالفطرة والعقل على ثبوت القياس.

أما الاستدلال بالفطرة والعقل على ثبوت القياس الصحيح؛ فإنه لا يشك عاقل إذا سمع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)، أن كل ما يشوش على القاضي، ويحول دون تمكنه من تمام نظره في القضية، ويشغل قلبه وذهنه، ويمنع عقله، ويحول بينه وبين استيفاء النظر، ويعمي عليه طريق العلم من الأسباب الأخرى كالجوع والعطش والمرض والخوف؛ يدخل تحت هذا النهي، فمن قصر النهي على الغضب وحده دون الهمّ المزعج، والخوف المقلق، والجوع المنغص، والظمأ الشديد، وشغل القلب المانع من الفهم؛ فقد قلّ فقهه، وقصر فهمه.

ولو قال الطبيب للعليل وعنده لحم غنم مثلاً: لا تأكل من هذا اللحم، لفهم كل عاقل منه أنه ينهاه عن كل لحم، سواء كان لحم غنم، أو لحم بقر، أو لحم جمل.

وهذه الأمور مما فطر الله الناس على معرفتها، ولهذا فهمت الأمة من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}، فهمت الأمة أن هذا يدل على تحريم إتلاف مال اليتيم، سواء كان بأكله أو بإحراقه أو لبسه أو ركوبه، أو أي نوع من أنواع الانتفاع.

ولو أن إنساناً سمع قول الله عز وجل في الوالدين: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}، فرأى أن النص خاص بتحريم التأفف، وأنه له أن يضربهما، أو يبصق في وجههما؛ لعده العقلاء في غاية السخافة والحماقة والجهل، وأن عمل هذا مناف للعقل والفهم والفطرة.

فالمجتهد إذا غلب على ظنه أن الحكم معلل بعلة، ثم وجدت تلك العلة في شيء آخر؛ لم يمنع العقل من أن يعمل بها في الشيء الآخر، علماً بأن تعميم الحكم لا يد منه، ولو لم يستعمل القياس لأدى ذلك إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام؛ لكثرة الحوادث التي تستجد، مع أن النصوص محدودة.

إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه، ص46-48

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق