إجماع الصحابة على العمل بالقياس

2020-06-25
إجماع الصحابة على العمل بالقياس
الفائدة الخامس عشر من كتاب إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه للشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول إجماع الصحابة على العمل بالقياس.

نقل غير واحد من أئمة أهل العلم إجماع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على العمل بالقياس، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: كان الإمام أحمد يقول: إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها، والصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص كما هو مشهور عنهم، ويتكلمون بالرأي، ويحتجون بالقياس الصحيح.

وقال الغزالي في المستصفى: يستدل على ذلك بإجماع الصحابة على الحكم بالرأي، والاجتهاد في كل واقعة وقعت لهم، ولم يجدوا فيها نصا، وهذا مما تواتر إلينا عنهم تواترا لا شك فيه، فننقل من ذلك بعضه، وإن لم يمكن نقل الجميع؛ فمن ذلك حكم الصحابة بإمامة أبي بكر - رضي الله عنه - بالاجتهاد مع انتفاء النص، ونعلم قطعا بطلان دعوى النص عليه، وعلى علي، وعلى العباس، إذ لو كان لنقل، ولتمسك به المنصوص عليه، ولم يبق للمشورة مجال، ثم قال: وأبو بكر عهد إلى عمر خاصة، ولم يرد فيه نص، ولكن قاسوا تعيين الإمام على تعيين الأمة لعقد البيعة فكتب أبو بكر: " هذا ما عهد أبو بكر "، ولم يعترض عليه أحد.

ومن ذلك رجوعهم إلى اجتهاد أبي بكر ورأيه في قتال مانعي الزكاة حتى قال عمر: فكيف تقاتلهم، وقد قال - عليه السلام - «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم، وأموالهم إلا بحقها» ؟ فقال أبو بكر: " ألم يقل «إلا بحقها؟» فمن حقها إيتاء الزكاة كما أن من حقها إقام الصلاة، فلا أفرق بين ما جمع الله. والله لو منعوني عقالا مما أعطوا النبي - عليه السلام - لقاتلتهم عليه.

 ثم قال الغزالي: ومن ذلك ما أجمعوا عليه من طريق الاجتهاد بعد طول التوقف فيه، ككتب المصحف، وجمع القرآن بين الدفتين، فاقترح عمر ذلك أولا على أبي بكر فقال: كيف أفعل ما لم يفعله النبي - عليه السلام -؟ حتى شرح الله له صدر أبي بكر، وكذلك جمعه عثمان على ترتيب واحد بعد أن كثرت المصاحف مختلفة الترتيب.

ومن ذلك إجماعهم على الاجتهاد في مسألة الجد، والإخوة على وجوه مختلفة مع قطعهم بأنه لا نص في المسائل التي قد أجمعوا على الاجتهاد فيها.

وقد نقل ابن القيم -رحمه الله- عن أبي عمر بن عبد البر -رحمه الله- صوراً من القياس المجمع عليه، حيث يقول: ومن القياس المجمع عليه صيد ما عدا المكلب من الجوارح قياسًا على الكلاب، بقوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4].

وقال - عز وجل -: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، فدخل في ذلك المحصنون قياسا، وكذلك قوله في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، فدخل في ذلك العبد قياسا عند الجمهور، إلا من شذ ممن لا يكاد قوله خلافا، وقال في جزاء الصيد المقتول في الإحرام: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]. فدخل فيه قتل الخطأ قياسا عند الجمهور إلا من شذ؛ وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49]، فدخل في ذلك الكتابيات قياسا، وقال في الشهادة في المداينات: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، فدخل في معنى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] ، قياسًا المواريث والودائع والغصوب وسائر الأموال.

وأجمعوا على توريث البنتين الثلثين قياسا على الأختين، وقال عمن أعسر بما بقي عليه من الربا: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]، فدخل في ذلك كل معسر بدين حلال، وثبت ذلك قياسا، ومن هذا الباب توريث الذكر ضعفي ميراث الأنثى منفردا، وإنما ورد النص في اجتماعهما بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، وقال: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176]. ومن هذا الباب أيضا قياس التظاهر بالبنت على التظاهر بالأم، وقياس الرقبة في الظهار على الرقبة في القتل بشرط الإيمان، وقياس تحريم الأختين وسائر القرابات من الإماء على الحرائر في الجمع في التسري، قال: وهذا لو تقصيته لطال به الكتاب.

إثبات القياس في الشريعة الإسلامية والرد على منكريه، ص34-35-36-37-38

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق