الإنكار بأسلوب الاستفهام أسلوب حكيم في زلزلة قواعد الباطل

2020-09-02
الإنكار بأسلوب الاستفهام أسلوب حكيم في زلزلة قواعد الباطل
الفائدة التاسعة والأربعون من لطائف قرآنية من تفسير سورة الأنعام من كتاب تجريد التأويل لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول أن الإنكار بأسلوب الاستفهام أسلوب حكيم في زلزلة قواعد الباطل.

وقد ساق الله -تبارك وتعالى- هنا صورة من صور دعوة إبراهيم -عليه السلام- التي سلكها في دعوته قومه إلى الله -عز وجل-؛ حيث اتخذ هذا الأسلوب الحكيم الذي تنقطع به الشبهة وتتضح به المَحَجَّة، ويستدرج به الخصم ليعرفوا جهلهم ويستبين خطؤهم، ولا يتأتى هذا الأسلوب إلا من خبير بمعرفة ما عليه القوم حتى يتمكن من اجتثاث أصول باطلهم، وقد كان قوم إبراهيم -عليه السلام- من عبدة الكواكب، ولذلك ناظرهم -عليه السلام- فيها واستدرجهم ليقيم عليهم الحجة بأنهم ليسوا على شيء في عبادتها، وفي ذلك يقول الله -تبارك وتعالى-: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76]، أي: فلما تغشاه الليل وستره أبصر نجمًا من النجوم التي يعبدها قومه، قال إبراهيم -عليه السلام- لقومه: أهذا يصلح لأن يكون ربًّا يُعْبَدُ وأصفه بأنه ربي؟!

وحذف الاستفهام في مثل قوله: (هذا ربي) سائغ شائع في اللسان، وهو استفهام في مواضع من القرآن الكريم، ومنه قوله -تبارك وتعالى-: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34]، أي: أفهم الخالدون، ومنه قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [المؤمنون: 37]، أي: أنموت ونحيا؟، وكذلك قوله -تبارك وتعالى-: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24]، أي: أنموت ونحيا؟ ومن أمثلة حذف الاستفهام مع كونه مرادًا قولُ أبي خراش الهذلي:

رَفَوْني وقالوا يا خُوَيْلِدُ، لا تُرَعْ     فقلتُ، وأنكرتُ الوُجُوهَ هُمُوا هُمُوا

يعني: أهُمْ هُمْ، ومن ذلك أيضاً قول أوس بن حجر أو الأسود بن يعفر النهشلي:

لَعَمْرُكَ ما أدري وإن كنتُ داريا     شُعَيْثَ بنَ سَهْمٍ أم شُعَيثَ بنَ مِنْقَرِ

بأسلوب الاستفهام هو أسلوب حكيم في زلزلة قواعد باطلهم، وله أثر كبير في نفوسهم حيث يلفت انتباههم إلى النظر فيما يرشدهم إليه دون تهييجهم عليه.

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: ص4-5

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق