يحتج بالقدر على المصايب لا المعايب

2020-09-02
يحتج بالقدر على المصايب لا المعايب
الفائدة مائة وثلاثة وعشرون من لطائف قرآنية من تفسير سورة الأنعام من كتاب تجريد التأويل لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول أنه يحتج بالقدر على المصايب لا المعايب.

وقوله -تبارك وتعالى-: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148]، بيانٌ لجهل المشركين وأنهم لم يعرفوا الله -عز وجل- إذ ظنُّوا أن مجرد صدور الشرك منهم وتحريم ما حرَّموا يكفيهم في الدلالة على مشروعية ما صنعوا زعماً منهم أن مشيئة الله بصدور الفعل منهم يقتضي رضى الله عنه، وخلطوا بين مشيئة الله ورضاه، وحسبوا أنَّ ما شاءه الله راض عنه، والحال ليس كذلك فإن المشيئة هي الإرادة الكونية القدرية وليست ملازمة للإرادة الشرعية التي تدل على رضى الله ومحبته، وهو لا يأمر لا بما يحب ويرضى، وهو لا يرضى لعباده الكفر.

والواقع الصحيح ان الاحتجاج بقدر الله ومشيئته ينبغي أن يلاحظ فيه أمران: فالقدر إما أن يقترن بمصائب أو أن يقترن بمعايب، إذ قد يرتكب الإنسان جريمة كالشرك أو الزنا أو السرقة أو القتل أو شرب الخمر، فإذا قيل له: لِمَ فعلت ذلك؟ قال: قَدَرُ اللهِ أو مشيئتهُ أو قضاء الله، ونسب جريمته إلى القدر والمشيئة.

وهذا خطأ فإنه لا يصح الاحتجاج بالقدر على ارتكاب المعايب، لأن الله لم يبين له القدر قبل ارتكابه الجريمة ولم يأذن له في ارتكابها، أما إذا أصيب إنسان بمصيبة من المصائب التي يقع فيها بإرادته واختياره؛ كالمرض أو الفقر، أو كأن ينقلب وهو نائم على شخص فيقتله، أو تنفلت منه حصاة أو نحوها على شخص بدون قصد فتصيبه، أو تغلبه عينه رغم أنفه فينام عن الصلاة؛ فإن له أن يحتج في كل هذه المصائب بالقدر ويقول: قدَّر الله وما شاء فعل.

وقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّرَ الله وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان).

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: ص106-107

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق