جواز الاجتهاد من النبي فيما لم ينزل عليه وحي
ذهب أحمد في إحدى الروايتين، والشافعي وجمهور أهل العلم إلى جواز الاجتهاد للنبي -صلى الله عليه وسلم- مطلقاً، فيما لم ينزل عليه فيه وحي. واستدلوا بما يلي:
أولاً: قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}، وهو عام يشمل النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره.
ثانياً: ولقبوله الفداء من أسرى بدر، وعتاب الله له على ذلك، ولا يكون العتاب فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد.
ثالثاً: ولرجوعه -صلى الله عليه وسلم- إلى رأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه يوم بدر، وإخباره أن منزله لم يكن عن وحي وإنما هو عن رأي.
رابعاً: ولقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}، ثم قال: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}، فإنه يدل على جواز الاجتهاد من الأنبياء، إذ لو لم يكن حكمهما هنا بطريق الاجتهاد لم يكن لسليمان فيه مزية، ولما خص بتفهيم القضية.
وذهب أكثر الأشاعرة والمعتزلة ونسب إلى أحمد في رواية ابنه عبد الله إلى أنه لا يجوز مطلقاً، واستدلوا بما يلي:
أولاً: أنه قادر على استكشاف الحكم بالوحي الصريح فلا حاجة له إلى الاجتهاد.
ثانياً: قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}.
ثالثاً: ولأنه لو أذن له في الاجتهاد لأجاب عن كل وقعة باجتهاده ولم ينتظر الوحي.
رابعاً: ولأن ذلك يؤدي إلى تغير اجتهاده فيتهم بسبب تغير الرأي.
وقال قوم: يجوز في الحروب والآراء وشئون الدنيا دون غيرها، دعوى الجمع بين الأدلة التي تثبت جواز اجتهاده -صلى الله عليه وسلم-، والأدلة التي تمنع ذلك.
والمختار القول الأول؛ لأن إنزال الوحي ليس بيده -صلى الله عليه وسلم-، كما أن اجتهاده -صلى الله عليه وسلم- لا يكون عن هوى فلا يتعارض مع قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}.
وانتظاره -صلى الله عليه وسلم- الوحي في بعض الحوادث؛ لأنه ربما لم ينقدح له فيها اجتهاده. ودعوى أن اجتهاده قد يؤدي إلى تهمته بسبب ما قد يتغير من الرأي لا يُعوَّل عيها، فإنه قد اتهمه اليهود والمشركون بسبب النسخ، ومع ذلك لا نبطل النسخ بسبب هذا الاتهام، ومن فوائد اجتهاده -صلى الله عليه وسلم- إرشاد أمته، ولينال صواب المجتهدين.
إمتاع العقول بروضة الأصول: ص133-134
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق