هل في القرآن لفظ أعجمي؟ - المحكم والمتشابه

2020-06-27
هل في القرآن لفظ بغير العربية؟ ذهب قوم منهم القاضي أبو يعلى إلى أنه ليس في القرآن لفظ بغير العربية، لقوله تعالى في وصف القرآن: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 19]، ولو كان فيه من لغة العجم لم يكن عربياً محضاً.

هل في القرآن لفظ بغير العربية؟

ذهب قوم منهم القاضي أبو يعلى إلى أنه ليس في القرآن لفظ بغير العربية، لقوله تعالى في وصف القرآن: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 19]، ولو كان فيه من لغة العجم لم يكن عربياً محضاً.

وذهب قوم: إلى أن في القرآن كلمات بغير العربية، ومثلوا لها (بمشكاة) على أنها هندية، و(استبرق) على أنها فارسية، و(ناشئة الليل) على أنها حبشية.

قالوا: وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهم، مع أن ورود كلمتين ونحوهما بلغة العجم لا يخرج القرآن عن كونه عربياً.

والنافي يمنع أن تكون هذه الكلمات أعجمية محضة، إذ استعمالها في لغة العجم لا يقطع بأن أصلها أعجمي.

المحكم والمتشابه

يوصف القرآن كله بأنه محكم ويراد بالمحكم على هذا: المتقن الذي لا يتطرق إليه الخلل ومنه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1].

ويوصف القرآن كله أيضا بأنه مشابه، ويراد بالتشابه على هذا: الذي يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق. ومنه: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [23: الزمر]. ولا خلاف على هذين المعنيين عند أهل العلم .

ويوصف القرآن بأن بعضه محکم وبعضه متشابه ومنه : {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].

وقد اختلف العلماء في معنى المحكم والمتشابه في هذا على أقوال:

الأول: المحكم المفسر، والمتشابه المجمل. وهذا للقاضي أبي يعلي.

الثاني: الحكم المتضح المعنى، والمتشابه هو الذي يغمض علمه على غير العلماء المحققين كالآيات التي ظاهرها التعارض. وهذا قول أبي الوفاء بن عقيل.

الثالث: التشابه الحروف المفرقة في أوائل السور، والمحكم ما سواه .

الرابع: المتشابه هو الذي استأثر الله بعلم معناه، وهذا مذهب جماهير المتأخرين.

والمختار: أن المحكم المتضح المعنى المقرر لأصول الدين وقواعده، وأن المتشابه هو المحتمل لمعنيين أحدهما صحيح يوافق المحكم والثاني فاسد يناقضه، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيحملونه على المعنى الفاسد لقصد خبيث. وأما الراسخون في العلم فيحملونه على المعنى الصحيح الموافق للمحكم ويردون متشابهه إلى محكمه مثل قوله : {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}[النازعات: 30]، مع قوله : {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة: 29]، فالراسخون في العلم يفسرون (بعد ذلك)، بمعنى: (مع ذلك)؛ لأنها تستعمل في الكلام الفصيح بهذا المعنى، ومنه قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} [القلم: 13]. فیندفع التعارض.

ونحو قوله: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78]، مع قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24]، فالراسخون في العلم يحملون السؤال المنفي على سؤال الاستفهام والاستعلام، ويحملون السؤال المثبت على السؤال لتوبيخهم على أعمالهم، وهكذا.

وسبب نزول قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]، يشهد لهذا فإنها نزلت في وفد نصاری نجران لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منهم الإسلام فامتنعوا، وقالوا: أسلمنا قبلك، قال: (يمنعكم من الإسلام أتخاذكم لله ولدا)، فقالوا: ألست تقرأ فيما أنزل إليك: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، وقوله : {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12].

قال: بلی، فقالوا: حسبنا، أي: يكفينا هذا في الدلالة على أنه ابن الله.

وذلك أن لفظة (من) تحتمل التبعيض، وتحتمل ابتداء الغابة فحملها على ابتداء الغاية يوافق المحكم من الكتاب وهو أن عيسى عبد الله كما قال: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59]، وهذا عمل الراسخين في العلم.

وحملها نصارى نجران على التبعيض ابتغاء الفتنة والإفساد، وهذا عمل أهل الزيغ.

وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه.

وإلى هذا ذهب مجاهد والربيع بن أنس وهو يروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

هل آيات الصفات من المتشابه؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا أعلم أحداً من السلف جعلها –يعني آيات الصفات- من المتشابه الداخل في هذه الآية. وذهبت طائفة إلى أن كيفية الصفات من المتشابه([1]).

 

 

[1]-  إمتاع العقول بروضة الأصول ص21-24.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق