الأصول المختلف فيها - القسم الثالث الأدلة التي تثبت بها العلة: الاستنباط

2020-06-28
القسم الثالث الأدلة التي تثبت بها العلة: الاستنباط. وهو ثلاثة أنواع: الأول: السبر والتقسيم، الثاني: المناسبة، الثالث: الدوران، أو الطرد والعكس.

القسم الثالث الأدلة التي تثبت بها العلة: الاستنباط.

وهو ثلاثة أنواع: الأول: السبر والتقسيم، الثاني: المناسبة، الثالث: الدوران، أو الطرد والعكس.

أولاً- السبر والتقسيم:

معنى التقسيم حصر الأوصاف. ومعنى السبر اختبار الأوصاف وإبطال ما لا يصح للعليَّة. فيقال في تعريف السبر والتقسيم: هو حصر الأوصاف الموجودة في الأصل وإبطال ما لا يصلح منها للعلية فيتعين الباقي للتعليل. ومثاله: الربا محرم في البر بعلة، والعلة الكيل أو القوت أو الطعم، وقد بطل التعليل بالقوت والطعم، فثبت أن العلة الكيل.

 ولا بد في البر والتقسيم من ثلاثة أمور:

  1. أن يجمعوا على أن الأصل معلل.
  2. أن يكون سبره حاصرا لجميع ما يعلل به، إما بموافقة الخصم على أنه لا علل له إلا هذه العلل التي حصرت. وإما أن يظهر عجزه عن إبراز وصف آخر بعد السير ويقول لخصمه: إن اطلعت على علة أخرى فأبرزها لننظر في صحتها.
  3. أن يثبت أن الأوصاف التي أبطلها لا تصلح للتعليل، وذلك من وجهين:

الوجه الأول: بیان بقاء الحكم بدون ما بحذفه فيبين أنه ليس من العلة، إذ لو كان من العلة لم يثبت الحكم بدونه كأن يقول أحد العلماء: يصلح أمان العبد لأنه وجد من عاقل مسلم غير متهم فيصح قياسا على الحر. فيقول مخالفه: إنك لم تذكر الأوصاف التي تعتبر في الأصل فقد ترکت وصف الحرية وهو مفقود في العبد فلا يصح القياس، فيقول الأول: وصف الحرية لاغ، فإن العبد المأذون له أمانة باتفاق مع عدم الحرية فصار وصفا لاغيا.

والوجه الثاني: أن يبين أن ما يحذفه من جنس ما عهدنا من الشارع عدم الالتفات إليه في إثبات الأحكام كالطول والقصر والسواد والبياض.

ثانيا – المناسبة

هي أن يكون الوصف المقترن بالحكم يقتضي جلب مصلحة أو دفع مفسدة.

فإذا قيل: المسكر حرام، أدركنا أن تحريم المسكر يفضي إلى مصلحة وهي حفظ العقل، وإذا قيل: الزنا محرم أدركنا أن تحريمه يفضي إلى جلب مصلحة وهي حفظ العرض ودرء مفسدة وهي اختلاط النسب. وبعض أهل العلم يسمي المناسبة: الإخالة لأن بها يخال أي يظن أن الوصف علة.

والمناسب أربعة أنواع : مؤثر، وملائم، وغریب، ومرسل

 فالمؤثر: هو أن يعتبر بنص أو إجماع عين الوصف في عين الحكم. ومثال الاعتبار بالنص تعلیل نقض الوضوء بمس الذكر فإنه مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، فيقاس عليه من مس ذكر غيره. ومثال الاعتبار بالإجماع تعليل ولاية المال على الصغير بالصغر، فإنه مجمع عليه فيقاس على ولاية مال الصغير ولاية نكاحه بجامع الصغر. فالصغر وصف أثر عينه في عين الحكم وهو الولاية على الصغير ولم يختلف إلا محل الولاية وهو المال والنكاح، وسمي مؤثرا الظهور تأثيره بما اعتبر به.

والملائم: ما ظهر تأثیر جنسه في جنس الحكم كتأثير المشقة في التخفيف. إذ إن جنس المشقة أثر في جنس التخفيف، وإنما سمي ملائماً لملاءمته وموافقته لجنس تصرفات الشرع.

والغريب: هو ما دل الدليل على إلغائه وعدم اعتباره كإفتاء يحيى بن يحيی الليثي ملكا جامع في نهار رمضان بصوم شهرين متتابعين بدعوى انزجاره بذلك أكثر من انزجاره بالعتق، فإن هذا التعليل مردود؛ لأن الشرع ألغاه، وإنما سمي غريبا لبعده عن الاعتبار.

والمرسل: هو ما لا يدل الدليل على إلغائه ولا على اعتباره، وإنما سمي مرسلا لإطلاقه عن الإلغاء أو الاعتبار. والمناسب المرسل هو المعبر عنه بالمصلحة المرسلة أو الاستصلاح وقد مر تحقيقه.

ثالثا - الدوران أو الطرد والعكس

وهو أن يوجد الحكم عند وجوب وصف وينعدم عند عدمه. ومثلوا له برائحة الخمر، فإنه حين كان خلا لم تكن موجودة، وعند كونه خمراً وجدت، وعند انقلابه خلاً انعدمت.

وقد اختلف العلماء في إفادته العلية، فقال قوم: يفيد العلية؛ لأنه يغلب على الظن ثبوت الحكم مستندا إلى ذلك الوصف فإننا لو رأينا رجلا جالسا فدخل رجل فقام عند دخوله، ثم جلس عند خروجه وتكرر منه ذلك غلب على ظننا أن العلة في قيامه هو دخول ذلك الرجل.

وقال قوم: لا يفيد العلية أصلا لجواز أن يكون الوصف ملازما للعلة وليس هو العلة. وإنما سمي دوراناً لما فيه من متابعة الحكم للوصف وجودا وعدماء والطرد الملازمة في الثبوت، والعكس الملازمة في الانتفاء([1]).

 

 

[1]- إمتاع العقول بروضة الأصول: ص127-129.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق