حكاية فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ عام
حكاية فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ عام:
إذا حكى الصحابي فعلاً من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ عم كأن يقول: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، أو يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة. أو يقول: حكم بكذا أو أمر بكذا. فهل يعتبر عموم اللفظ الصادر من الصحابي فيحكم به في أمثال تلك القضية أو لا عبرة بعموم لفظه الذي حكى به الفعل؟
اختلف في ذلك أهل العلم فذهب أكثر الأصوليين إلى أنه لا يعتبر عموم هذا اللفظ: لأن الحجة في الفعل المحكي لا في اللفظ الحاكي والفعل لا عموم له. ولأن الصحابي ربما سمع لفظاً خاصاً فعبر عنه بلفظ عام، أو ربما كانت القضية خاصة بشخص معين، فيصير عمومه مشكوكاً فيها، والعموم لا يثبت بالشك.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يعتبر عموم لفظ الحاكي: لأن الصحابة كانوا يحتجون بعموم هذا اللفظ، فقد رجع ابن عمر إلى حديث رافع بن خديج ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة.
ولأن الظاهر من حال الصحابي -وهو من العارفين بدلالات الألفاظ- أنه لا ينقل حكاية الفعل بلفظ عام إلا وهو يعلم عموم ما نقله، وإلا كان غير أمين على نقل الدين.
والمختار القول الثاني؛ لأن الاحتمالات التي ذكرها المخالف يضعفها ما علم من دقة الصحابة رضي الله عنهم وحرصهم على الأمانة في التبليغ.
دخول العبد في الخطابات العامة:
اختلف العلماء في الخطاب المضاف إلى الناس أو المؤمنين أو الأمة نحو: يا أيها الناس، أو يا أيها الذين آمنوا، أو كنتم خير أمة، هل يشمل العبد أو لا يشمله؟
فذهب الجمهور إلى أنه يشمله، لأنه من جملة الناس والمؤمنين والأمة، هو من المكلفين.
وقال قوم: لا يدخل العبد في مثل هذا الخطاب إلا بدليل خاص، لخروج العبد من بعض التكاليف الواردة بمثل هذه الخطابات كالحج والميراث.
والمختار الأول؛ لأن خروجه من بعض التكاليف لا يوجب رفع العموم عنه؛ لأنه خرج منها لعارض. وقد خرج المريض والمسافر والحائض من بعض التكاليف، ومع ذلك لا يقال: إنهم لا يدخلون في مثل هذه الخطابات.
دخول النساء في الخطاب الوارد بصيغة الجمع المذكر:
لا نزاع عند أهل العلم في أن النساء يدخلن في الجمع المضاف إلى الناس والبشر والإنسان، كما أنه لا نزاع في أن النساء لا يدخلن في الخطاب الوارد بلفظ الرجال أو الذكور.
وعامة أهل العلم على أنهن يدخلن في الخطابات الواردة بالصيغ المبهمة التي ليست نصاً في التذكير، نحو: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
وشذ بعض الحنفية فزعموا أن "من" لا تشمل النساء، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) لا يتناول المرأة المرتدة فلا تقتل.
والحق ما ذهب إليه عامة أهل العلم، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31]... إلى آخر الآية.
وقد اختلف أهل العلم في الخطابات الواردة بصيغة جمع المذكر السالم كالمسلمين، وضمير جماعة الذكور نحو: كلوا واشربوا.
فذهب الجمهور وأبو الخطاب إلى أن هذه الخطابات لا تشمل النساء؛ لأن الله تعالى عطف جمع الإناث على جمع الذكور إذ قال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إلى آخر الآية. وكما قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ثم قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]. والعطف يقتضي المغايرة.
وذهب قوم منهم القاضي أبو يعلى إلى أنهن يدخلن لأنهم شقائق الرجال في الأحكام؛ ولأن أكثر خطاب الله في القرآن بلفظ المذكر نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا...} [المائدة: 1]، ونحو: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: 53]، ونحو: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34].
ولأن الله قال في حق مريم: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12]، وقال في حق ملكة سبأ: {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43]، وقال في حق امرأة العزيز: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف: 29]، ولقوله: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123]، مع أن أحد المخاطبين حواء بالإجماع.
على أن العطف قد لا يكون للمغايرة كعطف الخاص على العام في نحو: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] ([1]) .
[1]- روضة الأصول ص89-93.
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق