قوله تبارك وتعالى: {وَلَا شَفَاعَةٌ}، عام أريد به الخصوص

2020-06-22
قوله تبارك وتعالى: {وَلَا شَفَاعَةٌ}، عام أريد به الخصوص
الفائدة الثلاثمائة وثلاثة وخمسون من لطائف قرآنية من تفسير سورة البقرة من كتاب تجريد التأويل لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول قوله تبارك وتعالى: {وَلَا شَفَاعَةٌ}، عام أريد به الخصوص.

وقوله تبارك وتعالى هنا: {وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]، عام أريد به الخصوص كذلك، لثبوت الشفاعة لأهل الإيمان بكتاب الله تبارك وتعالى وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي القرآن إثبات الشفاعة في آية الكرسي التي تلي هذه الىية مباشرة: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، كما أثبتها في قوله تبارك وتعالى في سورة الأنبياء بقوله عز وجل: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، فأثبت الشفاعة لمن ارتضى، وقد ذكر شَرْطَي الشفاعة المثبتة للمؤمنين في قوله عز وجل في سورة النجم: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26]، وقد تقدم الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة إليه رفعت، فكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: (أنا سيد ولد آدم) الحديث، فقد أثبت فيه الشفاعة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

على أن تذييل هذه الآية بقوله تبارك وتعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]، إشعاراً بأن هذا الشأن خاص بالكفار، فإنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين، قال ابن جرير رحمه الله في تفسير هذه الآية: يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا في سبيل الله مما رزقناكم من أموالكم، وتصدقوا منها، وآتوا منها الحقوق التي فرضناها عليكم. وكذلك كان ابن جريج يقول فيما بلغنا عنه، حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}، قال: من الزكاة والتطوع {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}، يقول: ادخروا لأنفسكم عند الله في دنياكم من أموالكم، بالنفقة منها في سبيل الله، والصدقة على أهل المسكنة والحاجة، وإيتاء ما فرض الله عليكم فيها، وابتاعوا بها ما عنده مما أعده لأوليائه من الكرامة، بتقديم ذلك لأنفسكم، ما دام لكم السبيل إلى ابتياعه، بما ندبتكم إليه، وأمرتكم به من النفقة من أموالكم {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ}، يعني: من قبل مجيء يوم لا بيع فيه، يقول: لا تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه بما أمرتكم به، أو ندبتكم إليه في الدنيا قادرين، لأنه يوم جزاء وثواب وعقاب، لا يوم عمل واكتساب وطاعة ومعصية، فيكون لكم إلى ابتياع منازل أهل الكرامة بالنفقة حينئذ أو بالعمل بطاعة الله سبيل، ثم أعلمهم تعالى ذكره أن ذلك اليوم الذي ينال به رضى الله أو الوصول إلى كرامته بالنفقة من الأموال، إذ كان لا مال هنالك يمكن إدراك ذلك به، يومٌ لا مخالّة فيه نافعة كما كانت في الدنيا، فإن خليل الرجل في الدنيا قد كان ينفعه فيها بالنصرة له على من حاوله بمكروه وأراده بسوء، والمظاهرة له على ذلك. فآيسهم تعالى ذكره أيضا من ذلك، لأنه لا أحد يوم القيامة ينصر أحدا من الله، بل {الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} كما قال الله تعالى ذكره، وأخبرهم أيضا أنهم يومئذ مع فقدهم السبيل إلى ابتياع ما كان لهم إلى ابتياعه سبيل في الدنيا بالنفقة من أموالهم، والعمل بأبدانهم، وعدمهم النصراء من الخلان، والظهراء من الإخوان لا شافع لهم يشفع عند الله كما كان ذلك لهم في الدنيا، فقد كان بعضهم يشفع في الدنيا لبعض بالقرابة والجوار والخلة، وغير ذلك من الأسباب، فبطل ذلك كله يومئذ، كما أخبر تعالى ذكره عن قيل أعدائه من أهل الجحيم في الآخرة إذا صاروا فيها: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} وهذه الآية مخرجها في الشفاعة عام والمراد بها خاص، وإنما معناه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}، لأهل الكفر بالله، لأن أهل ولاية الله والإيمان به، يشفع بعضهم لبعض.

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: 2/171-173

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق