من الأساليب البلاغية: اللف والنشر المشوّش؛ لإلفات انتباه البلغاء إلى لون من ألوان إعجاز القرآن

2020-06-23
من الأساليب البلاغية: اللف والنشر المشوّش؛ لإلفات انتباه البلغاء إلى لون من ألوان إعجاز القرآن
الفائدة المائة وتسعة من لطائف قرآنية من تفسير سورة آل عمران من كتاب تجريد التأويل لفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد والتي تدور حول أن من الأساليب البلاغية: اللف والنشر المشوّش؛ لإلفات انتباه البلغاء إلى لون من ألوان إعجاز القرآن.

قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 106-107].

اعلم أن من الأساليب البلاغية اللّف والنشر، وهو على قسمين: لفّ ونشر مرتّبٌ، ولفّ ونشر مشوَّش، فاللّف والنشر المرتّب أن يذكر شيئين على سبيل الإجمال ثم يذكر بعدهما وصفين يعود الأول منهما إلى الأول، ويعود الثاني إلى الثاني، وهو كثير في كتاب الله كقوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 31]، فقد ذكر الفاكهة والأبّ وهو المرعى، ثم قال: {مَتَاعًا لَكُمْ} وهو يعود على الفاكهة. ثم قال: {وَلِأَنْعَامِكُمْ} وهو يعود على الأبّ، وكذلك قوله تبارك وتعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود]، ومنه أيضاً قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}، فقوله: (لتسكنوا فيه) راجع إلى الليل، وقوله: (ولتبتغوا من فضله) راجع للنهار.

أما إذا رجع الوصف الأول للثاني ورجع الوصف الثاني للأول كالذي في هذا المقام؛ فإنه يسمى اللف والنشر المشوّش، فقد قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}، ثم فصّل ما يتصل بالثاني فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}، ثمّ فصّل ما يتصل بالأول فقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فقد ذكر الشيئين ثم فصّلهما بوصفين يعود الأول من الوصفين على الثاني، ويعود الثاني على الأول.

والأصل هو اللف والنشر المرتب، فإذا جاء على سبيل اللف والنشر المشوّش فإنه يكون لنكتة بلاغية تلفت انتباه البلغاء إلى لون من ألوان إعجاز القرآن، ففي هذا المقام تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإشارة إليهما إجمالاً، وقدّم في الإجمال ذكر حال السعداء لتعجيل مسرتهم، ثم قدّم في التفصيل ذكر حال الأشقياء لتعجيل مساءتهم، ولمّا أن المقام مقام تحذير عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بين الإجمال والتفصيل، والإفضاء إلى ختم الكلام ببيان حسن حال المؤمنين كما بُدِئَ بذلك عند الإجمال، ففي الآية حسن ابتداء وحسن اختتام وهي صورة بلاغية يعرفها علماء البديع.

تهذيب التفسير وتجريد التأويل: 3/36-37

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق