هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
إذا ورد لفظ عام على سبب خاص، كما روي أن رجلاً من مدلج جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله غنا نركب البحر ونحمل معنا القلي من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، فقوله: (هو الطهور ماؤه) عام يشمل وقت الحاجة كحالة السائل المدلجي ويشمل وقت عدم الحاجة.
ذهب إلى القول الأول جمهور أهل العلم فقالوا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب واستدلوا بما يأتي:
أولاً: أكثر الأحكام الشرعية كالظهار واللعان وفدية الأذى وحكم السرقة وغيرها، نزلت آياتها على أسباب خاصة، ومع ذلك يجب تعميمها بالإجماع، وذلك لعموم لفظها.
ثانياً: ولأن الحجة في لفظ الشرع لا في السبب.
ثالثاً: ولأنه لو كان اللفظ خاصاً والسؤال الذي تسبب في وروده كان عاماً لم يجز تعميمه لعموم السؤال، كما لو قالت المرأة لزوجها: طلق نساءك، فقال: أنت طالق، لم يطلق من نسائه سواها، بخلاف ما لو قالت له: طلقني، فقال: كل نسائه طالق فإنه لا يختص الطلاق بالطالبة.
ونسب إلى المالكية وبعض الشافعية أنهم يقولون بالقول الثاني، واستدلوا بما يلي:
أولاً: أنه لو لم يعتبر خصوص السبب لجاز إخراج السبب بالتخصيص مع أنه لا يجوز إخراجه.
ثانياً: ولأنه لو لم يعتبر خصوص السبب لما كان لنقله فائدة.
ثالثاً: ولأن اللفظ العام الوارد على سبب خاص يكون بمنزلة الجواب على هذا السبب الخاص، والجواب يجب أن يكون مطابقاً للسؤال.
والمختار الأول؛ لأن عموم اللفظ يتناول محل السبب يقيناً لأنه بيان له أصلاً ولغيره تبعاً، فلا يجوز إخراج السبب من بالتخصيص، وإنما تذكر الأسباب لإيضاح معنى اللفظ وبيان تناوله للسبب يقيناً إلى غير ذلك من الفوائد، ولا مانع أن يكون الجواب أعم من السؤال، فقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).
إمتاع العقول بروضة الأصول: ص90-91
-
2024-06-25 توحيد الربوبية وضلال الكفار
-
2024-06-25 بداية دخول الشرك على البشرية
-
2024-06-25 بيان ضلال نظريات فرويد
التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق