بدل البعض

2020-06-28
بدل البعض: تعريفه هو تابع مخصوص يقصر العموم السابق على بعض أفراده، نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فالناس عام يشمل المستطيع وغيره، فلما ذكر بدل البعض خصه بالمستطيع.
  1. بدل البعض:

 تعريفه هو تابع مخصوص يقصر العموم السابق على بعض أفراده، نحو: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، فالناس عام يشمل المستطيع وغيره، فلما ذكر بدل البعض خصه بالمستطيع.

الفرق بين العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص

العام المخصوص هو ما كان عمومه مراداً ثم دخله التخصيص فقصر على بعض أفراده كما مر، وأما العام الذي أريد به الخصوص فهو ما كان عـمومه غير مراد أولا، نحو: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]، فالمراد بالناس محمد صلى الله عليه وسلم. ونحو: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173]، فالمراد بالناس الذين قالوا: نعيم بن مسعود الأشجعي في قول مجاهد وعكرمة.

تعارض العامَّين أو العام والخاص

إذا تعارض عامان وأمكن الجمع بينهما كحديث: (شر الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد)، مع حديث: (خير الشهود الذي يشهد قبل أن يستشهد)، فإن الأول يمكن حمله على ما إذا كان صاحب الحق عالما بشهادة هذا الشاهد ولم يطلب شهادته، ويحمل الثاني على ما إذا كان صاحب الحق غير عالم بشهادة هذا الشاهد مع حاجته إلى شهادته.

فإذا لم يمكن الجمع بينهما وعلم التاريخ فالآخر ناسخ ل لمتقدم كقوله تعالی: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240]، مع قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، فإن الثاني ناسخ للأول.

وإذا لم يمكن الجمع ولم يعلم التاريخ يتوقف فيهما إلى أن يعلم مرجح لأحدهما ومثاله قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]، مع قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23]، فالأول يجيز بعمومه الجمع بين الأختين بملك اليمين والثاني يحرمه؛ ولذلك لما سئل عثمان –رضي الله عنه- عن الجمع بين الأختين بملك اليمين فقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية. وتوقف في ذلك، وقد رجح الفقهاء التحريم لدليل آخر، وهو أن الأصل في الأبضاع التحريم وذلك أحوط.

وإذا تعارض خاص وعام حمل العام على الخاص فيخص به سواء كانا مقترنين أو كان الخاص مقدماً أو متأخراً، نحو: اقتلوا الكفار ولا تقتلوا أهل الكتاب، وكحديث الشيخين: (فيما سقت السماء العشر)، مع حديثهما: (ليس دون خمسة أوسق صدقة)، فإن الثاني مخصص لعموم الأول، وإلى هذا ذهب أكثر الفقهاء بحجة أنه يكون عملاً بالدليلين.

وروي عن أكثر الحنفية وأحمد في إحدى الروايتين عنه أنه إن تأخر العام نسخ الخاص، وإن تأخر الخاص نسخ العام بقدره. لقول ابن عباس رضي الله عنهم: كنا نأخذ بالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن جُهل التاريخ يجب التوقف؛ لأنه يحتمل أن يكون العام ناسخاً ويحتمل أن يكون مخصصاً فالحكم بأحدهما تحكُّم.

والحق ما ذهب إليه الجمهور؛ لأن الخاص أشد تصريحاً وأقل احتمالاً وأقوى دلالة.

أما إذا كان كل واحد من النصين عاما من وجه وخاصا من وجه آخر، فالجمهور على أنهما يتعارضان ولا بد من الترجيح لأحدهما، ومثال ذلك حديث الصحيحين: (من بدل دینه فاقتلوه)، مع حديث الصحيحين: (نهيت عن قتل النساء)، فإن الأول عام في الرجال والنساء خاص في المرتدين، والثاني خاص بالنساء عام في المرتدة وغيرها فحصل التعارض في المرتدة فرجح قتلها قياسا لقتلها بالكفر بعد الإيمان على قتلها بالزنا بعد الإحصان.

وكذلك حديث: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، مع حديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصل إذا ذكرها). فإن الأول عام في المكتوبة والنافلة خاص في الوقت، والثاني خاص في المكتوبة الفائتة عام في الوقت، فوقع التعارض في المكتوبة الفائتة بعد العصر فرجح جواز فعلها، استئناسا بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر. ولما سئل عن ذلك قال: شغلت عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان.

وزعم قوم من أهل العلم أنه قد يمكن حمل عموم كل واحد منهما على خصوص الآخر فيخص به، ومثلوا لذلك بحديث أبي داود وغيره: (إذا بلغ الماء قلتين فإنه لا ينجس)، مع حديث ابن ماجه وغيره: (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه). وقالوا: الأول خاص بالقلتين عام في المتغير وغيره، والثاني خاص في المتغير عام في القلتين وما دونهما، فخص عموم الأول بخصوص الثاني، حتى يحكم بأن ماء القلتين ينجس بالتغير، وخص عموم الثاني الأول حتى يحكم بأن ما دون القلتين ينجس وإن لم يتغير .

والتحقيق أنه يمكن حمل عموم واحد منهما على خصوص الآخر ويبقى أحد الخصوصين متعارضا فيطلب فيه المرجح ويصار فيه إلى الترجيح.

أما حديث ابن ماجه : (الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه).. فقد اتفق الحفاظ على تضعيف رواية الاستثناء فسقطت معارضته. وإن كان الإجماع منعقدا على القول بحكم هذه الزيادة([1]).

 

 

[1]-  روضة الأصول ص102-105.

التصنيفات

التعليقات (0 تعليق) إضافة تعليق